ما الذى يربط مصر والإمارات والسعودية -بقوة- فى طبيعة علاقتها ببعضها البعض؟
ما الذى يربط الرئيس السيسى بالشيخ محمد بن زايد والملك سلمان وولى عهده الأمير محمد بشكل إنسانى وتفاهم شخصى واحترام فى العلاقات؟
قال لى مسئول عربى لديه تراكم خبرة سنوات طويلة فى ملف العلاقات العربية - العربية: «ظل العرب ظاهرة صوتية لسنوات طويلة حتى جاء التحالف العربى بين مصر والسعودية والإمارات والبحرين»، وأضاف: «الذى وحَّدهم هو الشعور بالخطر وبعد ذلك وحَّدهم أكثر الإدراك بأن هناك وحدة مصير مرتبطة بوحدة مصالح تستدعى فهم التنسيق والتعاون والسير بخطوات عاقلة نحو رعاية هذه المصالح دون عنتريات، مع الإيمان بأن لكل طرف ظروفه الموضوعية، وطبيعة تركيبته الداخلية».
من هنا تأتى أهمية فهم العلاقة بين تحالف القاهرة - الرياض - أبوظبى، فهو لا يقوم على تلك العبارة الأدبية الفارغة المعنى، والتى اعتدنا سماعها على مر السنين فى البيانات الرسمية: «وأظهرت اللقاءات الأخوية التطابق الكامل فى وجهات النظر بين البلدين فى جميع القضايا».
هناك استحالة عقلية وموضوعية أن تتطابق الإرادات، والمصالح، والأفكار والرؤى بين أطراف مختلفة.
هذا لم يحدث فى حلف وارسو، وحلف الأطلنطى، ولا فى دول الاتحاد الأوروبى.
ولكنْ هناك أهداف واستراتيجية ومدى زمنى للملفات والقضايا، المهم أن يتفق الحلفاء على خطوطها العامة مع ترك مساحات للحركة الحرة لكل طرف، كى يصل إلى ما اتفق عليه.
أحياناً يتقدم طرف على الآخر، بمعنى أن يسبق حليفه فى تحقيق الهدف المتفق عليه، وهذا طبيعى ومنطقى وإنسانى لاختلاف ظروف كل طرف فى التحديات والإنجاز.
المهم، ألا يخرج طرف عن المبادئ الأساسية أو عن الأهداف النهائية.
والأهم ألا تحدث عمليات «غدر سياسى»، مثل حالة قطر مع دول مجلس التعاون الخليجى، أو مثل تركيا فى منظمة التعاون الإسلامى.
الأهم ألا يغزو طرف أخاه مثل حالة العراق مع الكويت، أو تآمر اليمن على السعودية.
وبالعودة إلى ما كتبناه هنا عن «مفاتيح شخصيات كل من الرئيس السيسى والشيخ محمد بن زايد، والأمير محمد بن سلمان»، فإن هناك 4 عناصر شخصية وموضوعية تجمع بين الزعماء الثلاثة:
1- المكون الأخلاقى فى التعامل القائم على الالتزام، والانضباط، والوفاء بالوعود والعهود.
2- يدرك كل طرف منهم قوته الذاتية، لكنه يدرك أيضاً أنه يزداد قوة فى مواجهة التحديات القائمة فى حال تحالفه الوثيق مع أخويه.
3- أن تحالف المصالح هو قضية غير عاطفية، لكنها قضية وجودية براجماتية بالدرجة الأولى، لكن لا يمكن تجريدها من مضمونها الأخلاقى وطبيعتها الإنسانية، لذلك لا يمكن تجاهل عنصر «التفاهم الشخصى والتجانس المبدئى بين الزعماء الثلاثة».
كان الزعيم البريطانى وينستون تشرشل يقول عن التحالفات: «لا يمكن لك أن تتعاون مع حليف لا تحبه أو تكره التعامل معه».
إذاً المكون الشخصى فى علاقة الزعماء الثلاثة جوهرى ورئيسى فى دعم المصالح العليا لمصر والسعودية والإمارات، فالمسألة فى البداية والنهاية هى مصالح دول وليست علاقات أصدقاء، ولكن: «العلاقات الشخصية الجيدة والتجانس الإنسانى يخدم -بالتأكيد- تنمية هذه المصالح وازدهارها».
كم من الإخفاقات والتوترات والفرص الضائعة فى تاريخ العرب حدثت نتيجة عدم وجود كيمياء بشرية بين زعامات أو لأمور شخصانية محضة لا علاقة لها بلغة المصالح العليا بين البلدين.
المسألة الرابعة والأكثر أهمية هى وحدة الخطر والمخاطر التى تواجه مصر والسعودية والإمارات.
هذه الدول كما وحدتها المصالح وحدتها أيضاً وحدة المخاطر والتهديدات.
ليس صدفة أن يكون أعداء هذه الدول الثلاث هم ذاتهم: تركيا، قطر، إيران وأتباعهم داعش، القاعدة، الحشد الشعبى، حزب الله برعاية قطرية.
ليس صدفة أن تكون إيران هى العدو الذى يهدد السعودية والإمارات، والملاحة فى الخليج، والعراق، ولبنان وسوريا، مما يهدد حدود السعودية والإمارات، والملاحة فى قناة السويس لمصر، وسلامة المشرق وشرق المتوسط لمصر، وليس صدفة أن تكون إيران التى تدعم الحوثيين ضد السعودية هى من تحتل 3 جزر إماراتية!
وليس صدفة أن تكون تركيا، التى تهدد غاز شرق المتوسط وحدود مصر الغربية، هى من تحاول ابتزاز السعودية سياسياً وتحارب الإمارات، هى أيضاً من ترى أن أبوظبى حاولت بواسطة القيادى الفلسطينى محمد دحلان قلب نظام الحكم، وفشلت فى إقناع الإنتربول الدولى بتوجيه أى إجراء ضده، ذلك كى تبرر سلوكها العدوانى ضد الإمارات لإخفاء حقيقة مخجلة هى أنها تعادى أبوظبى بأوامر وتمويل صريح من الدوحة.
وليس صدفة أن قطر تآمرت وموَّلت وسلَّحت من أجل قلب الحكم فى مصر وقتل الجنود والضباط المصريين فى سيناء، ودعم شبكة التآمر الإخوانية فى الإمارات، وأعطت لجوءاً، وما زالت، لما يعرف بالمعارضة السعودية والمصرية وأى قوى تعادى القاهرة والرياض وأبوظبى.
وليس صدفة أن قطر تموِّل تركيا فى حروبها ضد مصر والسعودية والإمارات من اليمن إلى إثيوبيا إلى ليبيا إلى العراق.
تركيا تسعى لإعادة الخلافة الإسلامية وإعادة 29 ولاية كانت تتبعها ثم تخلَّت عنها منذ مائة عام فى لوزان.
إيران تريد فرض نظام دولة ولاية الفقيه ونشر الثورة الطائفية لتمهيد الأرض لحين عودة الإمام الغائب من غيبته الكبرى!
قطر تسعى لإقامة مشروع تخريبى يهدم الكبار فى المنطقة بضرب هذا بذاك، بحيث لا يبقى فى النهاية سوى الصغير حجماً ومساحة وتأثيراً، مستخدمة فى ذلك شعار الإسلام بواسطة التنظيم الدولى لجماعة الإخوان.
وليس صدفة أن هناك حلفاً شريراً يضم إيران وتركيا وقطر وداعش والقاعدة والحشد الشعبى يسعى لهدم الأنظمة الوطنية التى تعمل ليل نهار لتحديث بلادها من أجل رفاهية مواطنيها.
إننا ببساطة أمام «فريقين»، «خندقين» «فسطاطين»، الأول: معسكر العقلاء الذين يراهنون على احترام سيادة الدول وتحقيق الرفاهية والتقدم فى ظل استقرار إقليمى وسلام دولى، أما المعسكر الثانى فهو الذى يقوم على تحالف الشر الذى يريد تحطيم الدول الوطنية بواسطة ميليشيات الإرهاب التكفيرى الدينى.
يمكن القول إن الفهم الثنائى بين كل طرف وآخر من دول التحالف الثلاثى أصبح أكثر عمقاً وأكثر نضجاً، يدرك فيه كل طرف ظروف الآخر داخلياً وإقليمياً ودولياً، ويدرك قدراته فيما يقدر ولا يقدر عليه تبعاً للظروف والتفاصيل.
هذا التحالف الثلاثى هو مسألة وجودية أساسية ليس فقط لهذه الدول صاحبة الصلة، ولكن أيضاً لتأسيس وتعميق «مشروع عربى معتدل وعاقل يمارس لغة المصالح القومية، يسعى للبناء والتعاون وليس الهدم، يدافع عن الدولة الوطنية المدنية المستقلة وليس دويلات الميليشيات الطائفية التكفيرية العميلة».
التجربة تتطور، والتحالف يكبر، وهو قادر على جمع قوى أخرى عربية فى صفه.
المؤكد أنها تجربة ليست ملائكية يقدم عليها بشر يتعاملون فى أصعب أوضاع المنطقة والعالم، يصيبون ويخطئون، لكن الأمر المؤكد أن زعامات هذه الدول: صادقة، واعية بمصالحها، تتعامل بأخلاقية، لا تبيع سيادتها ولا تساوم عليها، والأهم الأهم الأهم أنها لم ولن تُقدم على تنفيذ مشروع شرير يعرف سلوكيات الغدر والخيانة.