على مقهى فى عاصمة عربية وبينما هو خالٍ من الرواد بسبب الخوف من وباء فيروس كورونا، وبينما كنت فى طريقى لإنهاء فنجان «الكابتشينو» تقدم نحوى شاب فى العشرينات من عمره واستأذن فى الجلوس معى لطرح مجموعة من الأسئلة التى تبحث عن إجابة لها.
ودار بيننا الحوار التالى:
الشاب: يا أستاذ عندى سؤال أطرحه عليك وهو سؤال متخصص ويحيرنى.
العبدلله: اسأل يا عزيزى، وأرجو أن تكون لدىّ الإجابة عليه.
الشاب: هو سؤال سياسى، وأنا لست متخصصاً فيها لأننى أنهيت دراستى فى الطب.
العبدلله: ما هو السؤال؟
الشاب: هل الدولة هى السلطة أم أن هناك فارقاً جوهرياً بينهما؟
العبدلله: سؤالك سهل وصعب فى آن واحد، ولكن الإجابة: بالقطع هناك فارق بين مفهوم «الدولة» ومفهوم «السلطة».
الدولة يا عزيزى تم تعريفها بأنها تجمع سياسى يؤسس كياناً ذا اختصاص سيادى فى نطاق إقليمى محدد يمارس السلطة عبر منظومة من المؤسسات الدائمة وهى تختص بخمسة اختصاصات هى:
1- ممارسة السيادة.
2- صيانة القرارات العامة.
3- التعبير عن الشرعية.
4- أداة الهيمنة، أى تملك قوة الإرغام لتنفيذ القوانين.
5- هى تجمع إقليمى مرتبط ذو حدود جغرافية.
أما السلطة فهى يتم تعريفها: «الاستخدام الشرعى بقوة مقبولة اجتماعياً، وهى القوة الشرعية التى يمارسها شخص أو مجموعة على الآخرين، وتعد الشرعية عنصراً جوهرياً لفكرة السلطة».
الشاب: لكنى أرى فى عالمنا العربى أنه لا فارق بينهما؟
العبدلله: لذلك هناك أزمات عميقة فى كثير من الأنظمة.
الشاب: كيف؟
العبدلله: قد تكون السلطة ممثلة فى فرد، أو حزب، أو طبقة، أو قوى طائفية، أو قوى أمنية، أو عائلة مالكة، لكنها قد تتغير أو تتقلب ما بين هذا أو ذاك.
الشاب: أما الدولة؟
العبدلله: هى الحكم والشعب والأرض، هى تاريخ وجغرافيا، هى تعبير عن الوطن بكل مؤسساته وأجهزته وطوائفه وطبقاته من خلال دولة القانون والمواطنة المتساوية.
الشاب: كيف؟
العبدلله: السلطات هى تعبير عن الدولة، وهى ثلاث: تنفيذية، تشريعية، قضائية، وهى متصلة ومستقلة والشعب فيها هو مصدر السلطات الثلاث.
وهذا ما استقر عليه الفكر الإنسانى منذ الثورة الفرنسية.
الشاب: لكنى أحياناً أرى تغولاً من سلطة على أخرى.
العبدلله: لقد وضعت يدك على الجرح!
إن استقلال السلطات الثلاث هو لإحداث التوازن، وضمان العدالة وخدمة أصحاب السلطات الحقيقية.
الشاب: ومن هم أصحاب السلطة الحقيقية؟
العبدلله: إنه الشعب.
الشاب: وكيف يصبح الشعب صاحب السلطة الحقيقية؟
العبدلله: من خلال قيامه بحقه الحصرى فى اختيار حكامه ونظامه وحكومته وإيجاد سلطة تشريع تقوم بالتشريع والمراقبة، وقضاء مستقل عن نفوذ أى من السلطتين.
الشاب: ومتى يتحقق ذلك؟
العبدلله: حينما تكون هناك شرعية فى اختيار الحكم والحاكم، وهذا يتحقق من خلال انتخابات حرة على كافة المستويات.
الشاب: وهل هذه هى الطريقة الوحيدة؟
العبدلله: لم يخترع الفكر الإنسانى -حتى الآن- وسيلة أفضل من الانتخابات الحرة التى تعبر حقاً عن مصالح ورغبات أغلبية المواطنين أصحاب الحق الأساسى فى حاضر ومستقبل البلاد.
الشاب: وما هى علاقة الشرعية بالدولة؟
العبدلله: الشرعية الحقيقية هى أهم ضمانة لمشروع الدولة الوطنية، التى تعتبر مسألة حياة أو موت.
الشاب: إذاً الانتخابات الحرة تؤدى للشرعية، والشرعية تؤدى للدولة الوطنية، والدولة الوطنية هى الاستقرار.
العبدلله: نعم، بالضبط، ولكن دعنى أسألك: هل لديك بطاقة انتخابية؟
الشاب: للأسف. لا!
وانتهى الحوار.
a