توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل التسوية السياسية: عار وخيانة؟

  مصر اليوم -

هل التسوية السياسية عار وخيانة

القاهرة ـ مصر اليوم

فى ثقافتنا السياسية عدة ضلالات مغلوطة أهمها أن الحرب هى البطولة، والتفاوض هو للخونة!

بعضنا يؤمن بأن «البطل» الذى يرفض أى تنازل حتى لو خسر كل شىء!

بعضنا يؤمن بأن قبول مبدأ التسوية السياسية هو تخاذل وخنوع وتفريط فيما لا يمكن التفريط فيه!

من هنا يصبح مبدأ الحوار مع الآخر جريمة والتفاوض خيانة والتسوية عمالة.

ولم يسأل أحد نفسه لماذا خلق الله لنا ألسنة كى نتحدث بها، وعقولاً كى نفكر بها، وميزنا عن بقية مخلوقاته بأن نكون أصحاب ضمائر ومسئولية، ولدينا قدرة على الحوار نحكم بها من خلال عقولنا؟

ولماذا توجد فى كل تشكيلات الحكومات منذ مئات السنين وزارات للخارجية تفاوض عبر الحوار والقنوات الدبلوماسية جنباً إلى جنب وزارات الحرب والدفاع.

الدبلوماسية ضرورة، والحرب أيضاً ضرورة هى الأخرى حينما يستحيل الحوار، ويصل إلى نقطة جمود تحتاج إلى عمل عسكرى يحركها.

الدبلوماسية هى نوع من الحرب، ولكن بدون قتال، وأحياناً تكون أكثر قسوة وصعوبة، وتحتاج إلى «صبر استراتيجى» ومهارة تتفوق -أحياناً- على أعقد الخطط العسكرية الميدانية.

أحياناً تكون الدبلوماسية هى وسيلة لمنع الحرب، وأحياناً تكون الحرب هى وسيلة لتحريك الدبلوماسية.

يعرف الجنرالات أكثر من غيرهم أن الحرب هى أصعب القرارات التى يمكن أن تتخذها أى قيادة على مر التاريخ.

الحرب تتعلق بالأرواح البشرية للمقاتلين وقد تضع المدنيين الأبرياء من الجانبين فى خطر عظيم، وهى بالتأكيد مسألة شديدة التكاليف المادية من ناحية كلفة السلاح، والذخيرة والوقود، والصيانة، والإمداد والتموين، والإعاشة، وقطع الغيار، والأجور والرواتب، لذلك فهى تعطل خطط التنمية وتستنزف الموارد، بل أحياناً تهدد بضياعها.

من هنا يدرك الجنرالات أكثر من غيرهم أن الحرب تصبح ضرورة واجبة، حينما يتأكدون تماماً ونهائياً من 3 أمور:

1- أن الحل السياسى أصبح مستحيلاً.

2- أن القتال هو الحل الوحيد المتاح.

3- أن هناك بيئة وظروفاً محلية وإقليمية ودولية مواتية -فى المجمل- يمكن أن تدعم قرار القتال.

وأعظم قرارات الحرب، هى تحقيق الهدف الاستراتيجى دون قتال فعلى.

من هنا يصبح المزيج من العمل الدبلوماسى والضغط السياسى، والردع الاستراتيجى بمعنى التلويح الجاد والحقيقى بالقتال من الممكن أن يدفع بالطرف الآخر للاستجابة السياسية والوصول إلى نقطة تفاهم.

وهناك فارق ما بين «الردع» و«الغزو»، وهناك فارق جوهرى ما بين التسوية والإذعان والتسليم!

الذين يدخلون غرفة مفاوضات بهدف الحصول على كل شىء وأى شىء من مطالبهم، دون إعطاء أى شىء بالمقابل حمقى لا يعرفون ألف باء علم التفاوض، ولديهم حالة ميئوس منها فى الفهم الحقيقى للدبلوماسية.

يتفاوض الناس مع أعدائهم، كما يتفاوضون مع حلفائهم.

الاتفاق التعاقدى، هو أهم وسائل التعايش والتعامل فى عالم اليوم وغداً وحتى قيام الساعة.

أنت تتعاقد فى وظيفة، فى تجارة، فى بيع، فى شراء بقواعد منظمة حتى لا تتحول الحياة إلى غابة، ومن أجل حفظ الحقوق وتحديد الواجبات.

ولكن ما هو الفارق بين التسوية والخيانة؟

التسوية هى عمل تفاوضى يراعى مصالح الأطراف المتعارضة بناء على مرجعية من القوانين الدولية المنظمة المعترف بها والمقبولة من طرفين، لتجنب تطور الخلاف إلى نزاع مسلح يضر بالجميع.

التسوية ليست فقط ما يتمناه أى طرف ولكن ما يقدر عليه، بمعنى أنها يجب ألا تتجاهل موازين القوى، ومعادلات وحسابات ما هو محلى وإقليمى ودولى.

التسوية يجب أن يكون مرجعها ومقياسها الأول هو رضاء الشعب، الذى يملك وحده دون سواه الحق الأصيل للقبول أو الرفض فى أى تسوية تمس حاضره ومستقبله.

المأساة أننا ندعى البطولة حينما نخرج بشكل عنترى ونرفض، بينما الشجاعة الحقيقية هى أن نواجه ونتعامل من قبيل المسئولية التاريخية ونبحث عن حل أو حلول.

أحياناً شجاعة التفاوض أكثر مخاطرة وتكلفة من شجاعة القتال.

المفاوض العظيم، هو القادر على أن يحاور، وحينما يصل إلى طريق مسدود يقدر أيضاً على ارتداء ملابس القتال ويحارب.

الخيانة هى الفرار من المسئولية التاريخية!

والفرار والذل والخنوع يكون بهزيمة النفس قبل هزيمة ميدان القتال.

البطولة هى انتزاع الحقوق والوصول إلى أفضل النتائج بأقل الخسائر والتكاليف.

العبرة دائماً فى المفاوضات أو القتال هى بالنتائج!

وتقييم النتائج هو ما الذى حصلت عليه فى ظل ما لديك مقارنة بما لدى عدوك وكم كانت كلفة ذلك عليك وعليه.

كل شىء فى الحياة يخضع للتفاوض وينتهى باتفاق على شكل صفقة، ولكن هناك أشياء لا تباع ولا تشترى، مثل الأوطان، والسيادة والقرار الوطنى المستقل.

الخيانة ليست فقط فى التفريط فيما لا يمكن التفريط فيه، ولكن الخيانة أيضاً فى التفريط فى إيجاد تسويات عادلة تمنع الحرب والدمار!

بعضنا عنترى فى الدعوة للقتال حتى آخر رجل شريطة ألا يكون هو!

بعضنا يريد تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وإلقاء إسرائيل فى البحر وهو يدرك أن هذا الحلم لن يتحقق فى هذا الجيل ولا فى الجيل المقبل.

بعضنا يطالب مصر بحرب فى أدغال أفريقيا للدخول فى حرب مياه مع إثيوبيا متجاهلاً إشكالية استراتيجية وهى بعد خطوط الإمداد والتموين، ومخاطر انهيار السد الذى إذا ما تم ضربه سوف يغرق البلاد من إثيوبيا إلى السودان إلى وادى مصر.

بعضنا يريد ابتلاع الطعم التركى - القطرى للتورط فى حرب صحراء فى ليبيا من أجل استنزاف موارد مصر.

نعم قد نحارب من أجل فلسطين، والمياه، والغاز، واليمن، وكل ما فيه مساس بالأمن القومى العربى، ولكن شريطة أن نكون استنفدنا كل وسائل التفاوض الدبلوماسى وأصبحت الحرب هنا، هى حرب الضرورة التى تصبح -فى هذه الحالة- واجبة، ويصبح التراجع عنها فعلاً تفريطاً.

لا تفريط فى حرب واجبة، هذا قانون ولكن يسبق ذلك لا تفريط فى فرصة سلام عبر الحوار يحقن الدماء وينفع البلاد والعباد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل التسوية السياسية عار وخيانة هل التسوية السياسية عار وخيانة



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon