العرب أعظم من لا يتحمل مسئولية أفعالهم!
متخصصون فى إلقاء المسئولية، أو اللوم، أو التبعية على:
1 - «الله» سبحانه وتعالى فى الرزق.
2 - «الشيطان» فى المعصية.
3 - «الظروف» فى الإخفاق والفشل.
4 - «المؤامرة» فى السياسة.
5 - «الصهيونية والماسونية والإمبريالية» وأخواتها فى فشل المشروع السياسى العربى.
وقبل أن ينقض علىّ أحد بالهجوم الكاسح أقول:
نعم، الله سبحانه وتعالى، الواحد، الأحد، خالق هذا الكون، ومدبر كل ما فيه، وهو الوهاب، الرزاق، النافع، الضار، المعطى والمانع، المهيمن والمسيطر على كل شاردة وواردة فى هذه الحياة منذ لحظة الخلق حتى قيام الساعة وإلى ما لا نعلم، هو كاتب الأرزاق، لكنه خلقنا على أفضل صورة، وهيأ لنا كل عناصر الحياة، وشرع لنا أصول المعاملات، ووهبنا طاقة الجسد وذكاء العقل، وذكاء الفؤاد، ثم ترك لنا مساحة خاصة بنا للنجاح والفشل، للمهارة والإخفاق، للتطور أو للتخلف.
هذه مسئوليتنا عن الرزق.
ونعم، خلق الله إبليس وأنزله إلى الأرض كى يلعب دور الغواية للنفس البشرية بحيث تصبح الحياة على الأرض هى دار اختبار يمتحن فيها الإنسان ويثبت قدرته على الالتزام بمخافة الله أو باقتراف المعاصى.
وأوضح لنا الله أن الحلال بيّن والحرام بيّن، وعلينا الاختيار، وفى النهاية سيكون لنا الجزاء يوم الحساب.
الشيطان يزين لنا المعاصى، لكنه لا يفرضها علينا!
نحن مسئولون -بالدرجة الأولى- عما نقترف!
نعم، هناك ظروف قهرية أكبر من قدرتنا على التحمل، وهناك ابتلاءات قاسية فى هذه الحياة، ولكن قيمة أى إنسان هى فى إيمانه وثباته وعدم انكساره، وطاقته الإيجابية ونهوضه بقوة من الأزمات والانكسارات.
ونعم، هناك مؤامرات فى السياسة، لكن ليس كل ما يحدث مؤامرة ضدنا!
هناك كوارث وأزمات نتحمل نحن وحدنا مسئوليتها بالدرجة الأولى، ولا يتحملها غيرنا.
تفسير المؤامرة التى تدبر لنا هو تفسير مريح للغاية، يرفع عن كاهلنا عبء المسئولية ويسدد عنا فاتورة دفع ثمن إصلاح خطايانا وجرائمنا!
وإذا كانت هناك مؤامرة -وهى بالفعل موجودة لا ننكرها- فهى فى معظمها من صناعتنا نحن، فعالمنا العربى، كما يشهد التاريخ خير من يتآمر على نفسه ويحمل بداخله «جينات» التدمير الذاتى!
ببساطة، هناك طرفان لنجاح أى مؤامرة أولاً: المتآمر وثانياً المتآمَر عليه، ولا تنجح المؤامرة إذا صنعها المتآمر، ولكن تنجح تماماً حينما يفشل المتآمر عليه فى التعامل معها أو التعاون معها!
وبالتأكيد، فإن هناك أفكاراً شريرة مدمرة للبلاد والعباد من قبل الصهيونية والماسونية والإمبريالية والأفكار التكفيرية، والرؤى العنصرية، والسياسات المذهبية، والاتجاهات العرفية، والتمييز القائم على الجنسية، والانحيازات الطبقية وأكثر.
كل ذلك بالفعل موجود وأكثر، وله أضرار وشرور لا نهائية، لكنه أولاً وأخيراً عمل شرير لا يمكن له أن ينجح أو يؤثر أو ينتشر إلا عندما لا نكون مُحصنين ضده، وواعين بأخطاره ومستعدين لمواجهته، وقادرين على دفع ثمن الصراع معه.
إذن، الرزق، الشيطان، المؤامرة، الظروف، الأفكار الشريرة، كلها حقائق موجودة ومستمرة لكن هناك دائماً - وسائل للتعامل معها وتحويلها من عناصر شريرة إلى عناصر لصالحنا إذا توافرت الإرادة، وصدقت النية، وزاد الوعى، وتقدمت الكفاءة، وقبل أى شىء وفقنا الخالق سبحانه وتعالى.
باختصار نحن بارعون فى تحميل الأسباب لمتسبب آخر غيرنا!
نحن متخصصون فى صناعة شمّاعات التراخى والفشل والغياب العقلى والتخاذل الوطنى، والفشل الإدارى، والتدهور الأخلاقى والتراجع الاقتصادى، وسوء إدارة الأزمات وتكرار الأخطاء التاريخية دون تعلم الدروس المستفادة!
هناك مساحة تركها الخالق لنا نتحمل فيها كامل مسئوليتنا، وإن لم يكن الإنسان مسئولاً فلِم خلق الله لنا يوم الحساب، وخلق الجنة وخلق النار؟
تعالوا نتأمل حكمة الله فى القرآن الكريم الذى أنزله على عبده عليه أفضل الصلاة والسلام فى ستة آلاف وثلاثمائة وثمانى وأربعين آية، وعدد حروفه سبعة وسبعون ألفاً وأربعمائة وتسع وثلاثون كلمة، وعدد أجزائه ثلاثون جزءاً.
بعملية حسابية بسيطة، وبقراءة متأنية سوف نكتشف أن عدد آيات القرآن التى تتحدث عن العبادات هو 110 آيات فقط، أى أن هذا الرقم يساوى جزءاً واحداً من 62 جزءاً من القرآن، بينما ثلث كتاب الله عن سلوكيات ومعاملات الناس.
تعالوا أيضاً نتأمل منهج الله وحكمته فى بداية الخلق ودلالات ذلك حينما يعلمنا فى كتابه الحكيم: «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ» (سورة البقرة - آية 31).
إذن، الله علم سيدنا آدم الأسماء، ولكن لم يعلمه الأفعال وترك له امتحان الاختيار.
ذلك كله يؤكد مسئولية الإنسان، أى إنسان فى أى زمان ومكان، منذ بدء الخليقة حتى قيام الساعة عن أفعاله.
ولكل من يحاول التهرب من مسئوليته عما يفعل، فليتذكر قوله تعالى: «أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى»، وقوله: «أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ»، وقوله: «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ»، صدق الله العظيم.
a