يخطئ من يعتقد فى 3 أمور تتعلق بشكل وسياسات الإدارة الأمريكية تجاهنا فى حال فوز «ترامب»:
الخطأ الأول: أن فوز «ترامب» سيؤدى إلى تسوية مع إيران، ستؤدى فى النهاية إلى تخفيض مستوى التهديد الإيرانى للاستقرار الداخلى والأمن الإقليمى للمنطقة.
الخطأ الثانى: أن الحاجة التركية الحالية للدعم الأمريكى فى الصراع العسكرى حول إدلب ستجعل رجب طيب أردوغان «تحت السيطرة»، بل على العكس سوف يؤدى ذلك إلى مزيد من حماقاته فى سوريا والعراق وليبيا وشرق المتوسط.
الخطأ الثالث فى الفهم: أن «ترامب» فى فترته الرئاسية الثانية سيكون أكثر دعماً لدول الاعتدال العربى (السعودية - الإمارات - مصر)، بل سيكون أكثر سعياً إلى إطفاء توترات المنطقة لصالح (إيران - تركيا - قطر).
باختصار مباشر ومؤلم، نقول إنه إذا كان التوتر الحالى بين موسكو وأنقرة لصالحنا، فإن التقارب الأمريكى مع أنقرة، واحتمالات التسوية مع إيران ستكون ضدنا.
شروط أى صفقة أمريكية مع تل أبيب أو أنقرة أو طهران لا مكان فيها للمصالح العربية، لكنها تسعى -حكماً- لمراعاة المصالح الأمريكية الثابتة فى المنطقة.
تركيا تعنى أمريكياً، قاعدة إنجرليك الاستراتيجية، الدولة الجارة لروسيا، صاحبة المضايق الحاكمة فى البوسفور والدردنيل، والشريك التجارى الرئيسى لواشنطن، قوة عسكرية كبرى، المؤثر الإقليمى فى الشرق الأوسط، العضو الأساسى فى حلف الأطلنطى، الدولة الثانية من ناحية عدد القوات البرية فى الحلف.
لذلك كله يمكن القول إن تركيا المقيدة وإيران المنزوعة الخطر هما اللتان فى حالة عقوبات أمريكية!
إيران أمريكياً، هى مصدر إزعاج تسعى واشنطن لتهدئته، صاحبة إمكانيات تخصيب نووى، صاحبة نظام صاروخى باليستى يمكن أن يهدد المصالح الأمريكية والوجود الإسرائيلى، دولة رقم 2 فى احتياطى الغاز العالمى، دولة أساسية فى إنتاج النفط، ذات تأثير فى بحر قزوين، وذات تأثير إقليمى فى المنطقة، لديها أموال محتجزة تبلغ 12 مليار دولار على الأقل، سوق استهلاكية متعطشة للمصالح الغربية، سوق محتملة لإعادة الإعمار وللبضائع والمنتجات الأمريكية.
دون أى عواطف أو توقعات سياسية رومانسية، أمريكا كدولة لديها سوابق فى التخلى عن أى حليف لها، ودونالد ترامب كشخص أو كرئيس يفكر بعقلية «فن الصفقة» كمقاول سياسى من الممكن أن يبيع ويشترى من أى طرف خدمة لمصالحه وسعياً لتحقيق مغانم ومكاسب شخصية، خاصة أن الرجل يرى فى الإيرانى والتركى خصماً أكثر كفاءة من الحليف العربى!
«ترامب» الذى وصف الرئيس الكورى الشمالى بأنه صديق، والذى وصف الرئيس روحانى بأنه رجل جيد، من الممكن -بسهولة- أن يتعاون مع «الحليف التركى»، ويصالح الخصم الإيرانى.
ما نشهده اليوم من عقوبات أمريكية تجاه إيران وتركيا هو مشروع أمريكى منظم من أجل تحسين شروط التفاوض، حينما تحين لحظة الجلوس على مائدة التفاوض بهدف التسوية.
من هنا يجب على معسكر الاعتدال العربى ألا يستمر فى الرهان على حالة العقوبات الأمريكية الحالية تجاه إيران وتركيا، وعليه أن يستعد لبناء سياسة وتحالفات وقواعد جديدة للتعامل مع الصفقات الأمريكية الجديدة مع أنقرة وطهران.
يقول «صن تسو» فى مؤلفه التاريخى «فن الحرب» إن «أبلغ درجات الحكمة لأى محارب هى إدراك الخطر والاستعداد له قبل وقوعه وليس الانتظار لحين حدوثه».
اللهم إنى بلغت.