أخطر شىء فى أصول الحكم الرشيد أن تدير ملفات اليوم بعقلية الأمس!
وأعظم شىء فى أصول الحكم الرشيد أن تدير ملفات اليوم بعقلية الغد!
التفكير الماضوى التقليدى القديم كارثة، لأنه خارج طبيعة الزمان والمكان.
التفكير الإبداعى المستقبلى الذى يأخذ بالأفكار المستحدثة، التى تتعامل مع ما هو مقبل، بوسائل خارج الصندوق وبطاقة الدخول الوحيدة للمستقبل.
نحن أمام مدرستين من التفكير السياسى، واحدة تقليدية قديمة والثانية عصرية جديدة.
وصراع القديم والجديد، هو صراع أزلى منذ العصر الحجرى مستمر حتى قيام الساعة.
كم من الزعامات فقدت عروشها على مر التاريخ، لأنها اهترأت وتجمّدت وعاشت داخل شرنقة المدرسة القديمة فى التفكير؟
كم من الاقتصادات انهارت، لأنها تعاملت مع تحديات المعيشة اليوم بحلول الأمس العتيقة؟
بعضنا لم يسمع بعلم المستقبليات الذى أصبح منهجاً أساسياً فى إدارة أى قرار على أى مستوى.
ويقول البروفيسور «هيرمان كان» أحد كبار مؤسسى هذا العلم، إن تقدير المستقبل يقوم على 3 احتمالات:
1 - الأفضل للتحقق.
2 - الأسوأ للتحقق.
3 - احتمال استمرار ما هو كائن.
وعند اتخاذ القرار لا بد من وضع هذه الاحتمالات موضع الدراسة والمفاضلة بين البدائل من أجل أن يكون القرار صحيحاً ومناسباً وصالحاً لليوم والغد، وفيه تحوط للتعامل مع الأزمات دون مفاجآت.
إنها حالات مثل أن تعالج أمراض البرد دون أن تعترف بوجود مضادات حيوية، أو أن تجرى جراحات القلب بشق الصدر، دون أن تدرك أن هناك جراحات تركيب الدعامات عبر القسطرة.
إنها حالات مثل أن تلعب مباراة كرة القدم اليوم بنفس قوانين «الفيفا» فى الأربعينات!
إنها حالات مثل أن تذهب من دمشق إلى طهران على ظهور الجمال، متجاهلاً أن هناك اختراعاً اسمه الطائرة!
قد يبدو ما أقوله منطقياً للغاية، وهو أمر طبيعى لا يمكن تجاهله، ولكن تاريخنا كعرب أكد لنا أننا ما زلنا فى كثير من الأحيان وكثير من مراكز صناعة القرار نتعامل بعقلية قديمة انتهى عمرها الافتراضى، ولم يعد لها مكان فى عالم اليوم، فما بالك إذا كنا نلجأ إليها فى عالم بناء الغد؟!
خسرنا حروباً لأننا حاربنا الصواريخ الذكية بالحجارة، وفقدنا سمعتنا لأننا ما زلنا ندير سياستنا دون الأخذ بعلوم التسويق السياسى.
خسرنا بطولات رياضية، لأننا ما زلنا نطلب من اللاعبين اتباع سياسة «نقوم عليهم ونهاجمهم كرجل واحد فى الدفاع والهجوم»، وتغافلنا أن الرياضة هى محصلة حزمة علوم حديثة اجتمعت من أجل تحقيق الفوز الرياضى.
كان «ابن رشد» يرى أن سقوط الحضارات يعود إلى سبب جوهرى، وهو انعدام الرؤية لحقيقة المستقبل.
وما زالت حتى الآن عقولنا تعيش تحت وهم «عظمة الماضى السحيق»، وضرورة عودة «الزمن الجميل» واستعادة أمجاد الماضى التليد.
هذه الشعارات ما هى إلا لإيجاد تبرير قاتل لتقاعسنا وفشلنا عن اللحاق بمركبة المستقبل الفضائية.
وما بين الذين يعشقون شركة «أبل» ومنتجاتها وأسهمها ومكاسبها، وبين الذين يعشقون «الإبل» وحليبها وسباقاتها ووبرها، يمكن فهم الهوة بين مدرستين تقعان جميعاً فى تحمل الذنب الكبير لعدم تغليب أدوات المستقبل على مخلفات الماضى التى انتهى عمرها الافتراضى.