قال لى محدثى الروسى الفاهم لشخصية الرئيس فلاديمير بوتين: هل تعلم ما وجه التشابه بين «بوتين» والجمل؟
ابتسمت وقلت: ما علاقة «بوتين» بالجمل؟
قال فى ثقة: كلاهما يقوم «باجترار رد الفعل، ثم يفاجئك حينما يرى أن ذلك مناسب فى الزمن والمكان المناسب».
وحينما عدت إلى ما كُتب عن سيكولوجية الجمل وجدت أن كثيراً من الجمال أصابت أو قتلت أصحابها الذين كان يجوعونها أو يضربونها بقسوة بعد طول صبر على الألم حينما تحين الفرصة المناسبة.
سيكولوجية الجمل تظهر الآن فى علاقة «بوتين» و«أردوغان».
لقد صبر ضابط الاستخبارات الروسية، وبطل لعبة الجودو، والشاعر، والكاتب، وعاشق الشطرنج، على جنون وحماقة وتطاوس «أردوغان» عليه، وعلى مصالح بلاده، وحان «الآن» وقت سداد الفاتورة.
لن ينسى «بوتين»، أكبر مسوق للصناعات العسكرية المتطورة للجيش الروسى بالذات فى مجال المقاتلات وأنظمة الدفاع الجوى، أن مقاتلة تركية أسقطت مقاتلة روسية من طراز سوخوى 24 فى محافظة اللاذقية عام 2015.
أزمة صراع نفسية الشخوص المتناقضة بين «بوتين» و«أردوغان» أن كليهما ينتمى إلى مدرسة الحصول على الجائزة دون الاستعداد لدفع التكاليف الباهظة!
ويكره «بوتين» أن يتعامل معه دون إعطائه الاحترام اللازم الذى يليق بـ«قيصر الكرملين».
إذا كانت نفسية «بوتين» هى نفسية «القيصر»، فإن نفسية «أردوغان» هى نفسية الخليفة العثمانى الذى يسيطر على كثير من المفاتيح الإقليمية أو هكذا يعتقد.
صدام «القيصر» بـ«الخليفة» هو صدام ديناصورات الكبرياء السياسى المتضخم.
كلاهما قد يتحمل الآخر بعض الوقت، ولكن ليس لكل الوقت، وليس فى كل القضايا.
الصراع الروسى - التركى الحالى بسبب إدلب ليس حول مدينة تبلغ مساحتها 23 كم، أو حول تعداد سكانها البالغ 300 ألف نسمة، ولكن حول حسم المرحلة الأخيرة للحرب السورية الطويلة.
كعكة سوريا هى كعكة روسية خالصة كما يراها «بوتين»، غير مقبول وغير مسموح أن يشترك فيها أى إنسان أو أى قوى؛ لا أمريكى، ولا إيرانى، ولا داعشى، ولا معارضة مدنية، ولا كردى، والمفاجأة ولا حتى النظام!
لذلك غير مسموح أن يتم قبول «أنقرة» كشريك ولو بشكل رمزى فى أراضٍ أو ثروات أو مصالح أو النفوذ داخل سوريا.
فى مفهوم «بوتين» سوريا هى أرض نفوذ روسى خالص، وهى قاعدة ارتكاز استراتيجى على المياه الساخنة فى البحر المتوسط، ومركز جيواستراتيجى للأمن والعمليات فى المنطقة دفع ثمنه غالياً من ميزانيته ورجاله وعتاده.
غير مسموح، من وجهة نظر «بوتين»، أن يتم تغيير خارطة الأراضى السورية لصالح أحلام «أردوغان» بإعادة ضم أراضٍ سورية بعد إنهاء اتفاقية لوزان عام 2023.
غير مسموح، من وجهة نظر «بوتين»، أن يتقاسم أى طرف إقليمى أو دولى مخزون النفط السورى، أو إمكانيات الغاز الكامن قبالة السواحل السورية.
غير مسموح لدى «بوتين» أن يشاركه كائناً من كان الحصول على جائزة تدخله العسكرى المباشر فى سوريا.
وغير مسموح، من وجهة «بوتين»، أن يكون هناك دور لـ«المقاول التركى» فى إعادة إعمار سوريا، أو مقاولة إعادة تسكين النازحين، أو إعادة اللاجئين.
من هنا فقط يمكن فهم جمود العلاقات والتصدع الأخير فى علاقات «موسكو» بـ«أنقرة» حول الأوضاع فى «إدلب السورية».
ما زال «أردوغان»، حتى كتابة هذه السطور، يصرح، ويهدد، ويتوعد بعمليات عسكرية ضد الجميع فى محيط إدلب لو لم يتم إيقاف عمليات الجيش السورى، بدعم من الغطاء الجوى والغطاء السياسى الروسى.
ذكاء «بوتين» الشديد جعله يفهم أن لعبة «أردوغان» هى إثارة أكبر قدر من التهديد والصراخ بالحرب بهدف الابتزاز للحصول على أى قطعة من جائزة أى صراع!
بدأت روسيا تظهر غضبها، وتزمجر سياسياً فى الآونة الأخيرة فى وجه «أردوغان».
تصريحات سيرجى لافروف حول رفض الدور التركى فى سوريا واضحة، وبيان الكرملين حول الوجود التركى فى ليبيا حاد وقوى، وقبول «موسكو» الآن باستقبال المشير «حفتر» هو رسالة شديدة القوة.
الآن يلعب «بوتين» و«أردوغان» سياسة «حافة الهاوية»، بمعنى التهديد بتحويل التصعيد السياسى الحاد إلى مواجهة عسكرية فعلية حول محيط إدلب.
أمام الطرفين 3 احتمالات: المواجهة، التراجع لموقف أى منهما، أو التوصل إلى اتفاق حل وسط تدفع ثمنه السيادة السورية فى تلك المنطقة الجغرافية.
أخطر ما فى القبول بلعبة التهديد التركى أنها إذا جاءت بأى نتيجة، ولو محدودة، فإنها سوف تكون جائزة غير مستحقة لسياسات هيسترية ابتزازية.
هنا يجب التوقف طويلاً أمام تصريح «أردوغان» فى البرلمان التركى بأنه يعطى الفرصة الأخيرة والإنذار الأخير لسوريا حتى تنسحب من مواقعها الحالية قبيل نهاية الشهر، وعاد وقال: «لقد بدأ العد العكسى».
التعليق الروسى كان مباشراً: «إذا قام (أردوغان) بعمل عسكرى فهذا هو السيناريو الأسوأ».