الرابحون والخاسرون فى مؤتمر برلين الخاص بليبيا، من هم؟
هل أدى المؤتمر إلى إيقاف المشروع الأردوغانى التوسعى لإقامة تركيا الكبرى، أم أعطاه «استراحة» لاستكمال خطته؟
يمكن القول، بعد قراءة البيان الصادر، والمؤتمر الصحفى للسيدة «ميركل» وتصريحات كل من «بوتين وماكرون وبومبيو» والرئيس السيسى والشيخ عبدالله بن زايد وأردوغان، إن هناك نوعاً من التقدم البطىء الذى يمكن أن يمنحنا نوعاً من التفاؤل الحذر.
الملاحظ أن تركيبة المدعوين كانت ذات دلالة؛ فهى مكونة من ألمانيا، الدولة المضيفة، والدول الخمس الكبار دائمة العضوية فى مجلس الأمن، وكل من مصر والإمارات وتركيا والجزائر لكونها إما صاحبة مصلحة أو ذات حدود جغرافية، وأخيراً إيطاليا صاحبة الخبرة التاريخية فى ليبيا وصاحبة مصلحة كبرى من خلال وجود شركة «إينى» الإيطالية العاملة منذ زمن بعيد فى ليبيا.
وفى المؤتمر أيضاً دُعى المشير حفتر و«السراج» دون أن يلتقيا مباشرة.
وتحت مشاركة الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقى، والاتحاد الأوروبى، والجامعة العربية انعقد المؤتمر.
قائمة المدعوين -نظرياً- المفروض أن تكون كافية وضامنة لنجاح إيقاف الصراع فى ليبيا.
هنا لا بد من التأكيد أن الحضور لمصر والإمارات والجزائر والجامعة العربية كان مهماً للغاية حتى لا تتكرر مأساة مفاوضات سوريا، والعراق، وإيران التى عانت من فراغ الوجود العربى، فخرجت نتائجها التى مازلنا نعانى منها خارج مصالحنا تماماً.
هنا لا بد من التوقف أمام إنجازات، وأيضاً تساؤلات:
الإنجازات، هى:
1- الدعوة لوقف كامل لإطلاق النار.
2- التأكيد على منع إرسال السلاح، البند رقم 18.
3- إلزام الحاضرين فى المؤتمر بذلك.
4- رفض وجود الإرهابيين والميليشيات فى ليبيا وعدم دعم أى منها، البند رقم 13.
5- المادة رقم 16 من مواد البيان الختامى البالغة 18 بنداً والتى تنص حرفياً: «ندعو مجلس الأمن إلى فرض عقوبات ملائمة على من يثبت انتهاكه ومخالفته لترتيبات وقف إطلاق النار وإلزام الدول الأعضاء بتنفيذها».
أخطر ما كان طلقة رصاص فى مشروع أردوغان هو تصريح الرئيس الفرنسى ماكرون الذى قال بوضوح وشجاعة: «ندعو تركيا إلى الكف عن إرسال مقاتلين سوريين إلى طرابلس دعماً لحكومة السراج».
هنا نأتى إلى الملاحظات حول البيان:
1- لم يذكر البيان مطلقاً شيئاً عن الإرهابيين الذين أرسلهم أردوغان -بالفعل- إلى ليبيا ولم يطلب ترحيلهم.
2- لم يعتبر البيان أن الاتفاق الذى وقع بين أردوغان والسراج هو مبعث التوتر والتصعيد.
3- لم يذكر البيان أن حكومة السراج هى حكومة فاقدة للشرعية لم تقسم اليمين أمام البرلمان وأنها تعدت تاريخ استمرارها منذ 17 ديسمبر الماضى.
4- لم يذكر البيان أى شىء عن العتاد العسكرى التركى الذى وصل بالفعل.
المشاركون لم يأتوا -باستثناء الأطراف العربية- من أجل مصلحة الشعب الليبى الذى كان ويجب أن يكون هو محور الاهتمام ولكن جاءوا لمصالحهم.
«بوتين» جاء بعدما فشل فى سرقة الصراع مع أردوغان.
أوروبا جاءت كى تستعيد دورها فى ليبيا بعدما كادت مفاوضات «موسكو» أن تسلبه منها.
إيطاليا لها مصالح شركة «إينى» ومستقبل النفط والغاز والخوف من فتح الهجرة غير الشرعية من ليبيا إلى سواحلها.
فرنسا لديها مصالح البحر المتوسط وشركة «توتال»، والثأر الشخصى بين أردوغان وماكرون.
الولايات المتحدة الأمريكية، تريد إثبات حضورها لأنها بعد اغتيال سفيرها فى ليبيا منذ سنوات أصبحت ترى أن الملف الليبى مكلف ومزعج لها.
ألمانيا، صاحبة الدعوة تريد الحفاظ على الدور الأوروبى، بعد خروج بريطانيا منه، وتسعى «ميركل» فى عامها الأخير أن تصنع إنجازاً تاريخياً.
أما مصر، فإن الرئيس عبدالفتاح السيسى قد لعب دوراً شديد الحكمة وشديد الحزم فى تحريك الرؤية المصرية التى تحافظ على الأمن القومى المصرى، وحقوق الشعب الليبى وحقوق مصر فى ثرواتها مما انعكس على النص النهائى للبيان.
كانت مصر حريصة على عدم وقوع المؤتمر فى أخطاء مؤتمرات باليرمو وباريس والصخيرات وأخيراً موسكو.
كانت مشاركة الإمارات داعمة للخط العروبى المعتدل الذى يرفض أن يتم تشكيل مصالح العالم العربى من خارجه وبالذات من خلال مشروعات هوجاء مثل المشروع الأردوغانى.
الاهتمام الإماراتى بالملف الليبى يتمثل أيضاً فى دعم «أبوظبى» الصريح والشجاع لمحاربة مشروعات الإرهاب الدينى التكفيرى التى تسعى للزحف على الأنظمة والمنطقة العربية.
هنا، يتعين على أردوغان أن يفكر قبل أن يخلد إلى فراشه فى أنقرة، وأن يسأل نفسه ماذا سيفعل بـ1700 إرهابى سورى أرسلهم من لواء «السلطان مراد» إلى ليبيا؟ وماذا يفعل بمشروع القاعدة التركية فى ليبيا، وماذا سيفعل باتفاقية ترسيم الحدود الجغرافية التى وقعها مع السراج؟ وماذا سيفعل فى غاز اليونان وقبرص بعدما وجه إليه الاتحاد الأوروبى تهديداً صريحاً أمس الأول فى هذا المجال؟
هل يطاوع «أردوغان» أحلامه وضلالاته فى إرسال 6000 سورى آخرين إلى ليبيا مقابل منح الجنسية التركية ومنحهم راتباً شهرياً 2000 دولار، وراتباً لأسرهم 300 دولار؟
هل يتراجع الرجل عن مشروعه؟
فى رأيى المتواضع أن بيان برلين خطوة للأمام لكنها قابلة للتراجع، وهى ترميم لجدار يمكن أن يسقط، وتسكين لمرض يمكن أن يستفحل، وفعل مؤقت يمكن أن يصبح أبدياً.
كل ذلك يتوقف على شىء واحد؛ وهو هل فهم أردوغان الرسالة أم ستغلبه طموحاته الجامحة؟