عماد الدين أديب
هذا عصر إذا كنت ذكياً فسوف تعيش حياتك شقياً!
الذكاء -فى هذا الزمن- لم يعد نعمة على صاحبه، ولكن أصبح نقمة!
التعريف العلمى للذكاء هو القدرة على فهم الأشياء وإدراكها والاختيار والمفاضلة بين البدائل.
هذا التعريف يؤدى بك إلى أنك إذا كنت ذكياً فأنت منطقى بالضرورة!
نحن فى زمن اللامعقول، واللامنطق وهيستيريا الجنون، وفقدان رجاحة العقل، ورفض الحوار والرغبة فى الاشتباك الدائم مع الآخرين، عليك ألا تكون منطقياً!
هذا كله يؤدى إلى منطق معكوس ومغلوط يقول: الذكى يعيش الآن فى جحيم، أما الغبى فهو ينعم فى راحة استثنائية!
ما أعظم الأمور أن يكون عقلك لا يعمل مثل محركات السيارات التى لا يستخدمها أصحابها أبداً، فتبقى دائماً «على الزيرو».
ما أجمل أن ينهار كل شىء حولك وأنت لا تعانى بالمرة لأنك لا تدرك أى شىء مما يدور حولك!
ما أبدع ألا تفهم ما يقال فى نشرات الأخبار التى تجلد عقلك صباحاً ومساءً بأسوأ الأخبار عن حوادث واغتيالات وكوارث وخيانات وحروب أهلية وضحايا ولاجئين ومشردين ونازحين وقتلى من النساء والعجائز والأطفال والرضع.
ولكن ماذا يفعل الذكى حتى يوقف معاناة استخدام عقله؟
الإجابة هى أن يتحول الذكى إلى أن يتغابى، أما إذا كان «غبى أصلى» وليس تقليداً أو مزوراً فإنه -بلا شك- من السعداء!
و«التغابى» هو جواز المرور لتحمل جنون هذا العصر، وهو إحدى أهم الوسائل لتجنب آلام الحقيقة ودفع ثمن مواجهة النفس بالواقع المخيف! ومنهج «التغابى» كان وما زال طوق النجاة منذ بدء الخليقة حتى يومنا هذا.
وكان حكماء العرب منذ عصور الجاهلية ينصحون شبابهم المندفع بالسعى إلى تجنب مواجهة الحقائق بشكل صريح وأمين، حتى لا يضطرهم إلى مواجهات تودى بحياتهم!
وليس هناك أفضل مما قاله الشاعر العربى «أبوتمام» وهو يعظم ويمجد التغابى حينما قال: ليس الغبى بسيد فى قومه لكن سيد قومه المتغابى (!!).