مرة أخرى نسأل: هل يمكن مصالحة قطر الآن؟
هنا نجيب عن السؤال بآخر، وهو: «لماذا تبعث قطر برسائل عبر مسقط والكويت وواشنطن، تعلن فيها رغبتها فى المصالحة؟».
مرة أخرى تأتى الإجابة بسؤال ثالث يتولد عما سبق، وهو: أى مصالحة؟ بأى شروط؟ ومع من؟
باختصار، تريد قطر المصالحة مع الرياض فقط، بعيداً عن مصر والإمارات والبحرين، وبدون التقيد بالشروط الـ13 التى حُددت عامَى 2013 و2014 بشكل واضح وصريح.
ولكن، لماذا الآن؟ ولماذا البدء بالرياض منفردة وحدها؟
الإجابة المباشرة: تدرك قطر، عبر دراسة قُدمت لها من مركز أبحاث فى واشنطن، أن أفضل وقت للتفاوض والمصالحة حينما يكون الطرف القطرى فى وضع قوى، والطرف الآخر فى موقف أضعف.
تدرك الدوحة أن المعادلة الآن ليست فى صالحها.. لأنها، أى قطر، فى وضع الضعف والرياض فى الوضع الأقوى!
تدرك الدوحة أن السعودية، التى أبرمت اتفاق المصالحة مع اليمن، والتى تستعد لإصدار أكبر طرح أسهم فى التاريخ المعاصر لشركة «أرامكو» (التقييم الأدنى تريليون ونصف، والمتوسط تريليون وسبعمائة مليار، والمتفائل 2 تريليون ونصف دولار) سوف يجعل من المملكة قوة «سوبر إقليمية» من الناحية الاقتصادية والتأثير المالى والسياسى.
وتدرك الدوحة أنها تراهن -من الباطن- على فوز مرشح رئاسة ديمقراطى، وأنها تتمنى هزيمة الجمهورى دونالد ترامب الذى كاد ينقلب عليها لولا ضغوط وزير خارجيته السابق ديك تيللرسون ذى المصالح الخاصة مع دولة قطر.
وتدرك الدوحة أيضاً أن الفترة من الآن حتى حسم الرئيس الأمريكى الجديد فى نوفمبر المقبل هى أفضل فترة «لإطفاء» أى نيران تسوية، بعيداً عن التدخل المباشر للرئيس الأمريكى المنشغل تماماً بمعركته الرئاسية وصراعاته مع الكونجرس.
أهم ما يسيطر على مجموعة مستشارى أمير قطر «من غير القطريين» هو تحقيق الهدف الأعظم والأهم وهو: «فك التحالف المصرى السعودى الإماراتى البحرينى بأى ثمن عبر محاولة السعى إلى تسوية منفردة مع الرياض».
الأمر المؤكد أن الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولىّ عهده الأمير محمد يكرران، ليل نهار، أمام أى وسيط أو مبعوث، فى السر والعلن، 3 أمور واضحة:
1 - المصالحة مع قطر يجب أن تكون مع الدول الأربع، بمعنى «كلهم يعنى كلهم».
2 - المصالحة يجب أن تُبنى على التزام قطر بالشروط، كل الشروط.
3 - المصالحة يجب -هذه المرة- أن تخضع للرقابة والمتابعة، كما جاء فى وثيقة الشروط، بصفة شهرية وثلث سنوية وسنوية، لمدة عشر سنوات، بعدما خدعت قطر دول مجلس التعاون وخالفت توقيعها وزادت من عمليات التآمر ضد دول المجلس وحبر توقيع أميرها لم يجف بعد على وثيقة الشروط.
أقصى ما يمكن أن يسفر عن أى وساطات بين قطر ودول التحالف الرباعى هو وضع سلوك الدوحة تحت المراقبة والاختبار، وفى حالة حدوث ذلك فإن احتمالات فشل قطر فى هذا الاختبار مؤكدة مليار فى المليار!
لماذا نقول ذلك؟
هل يمكن أن نتخيل قطر تطرد الحرس الثورى من أراضيها؟ وتتخلص من قوات أمن النخبة التركية التى تحرس الأماكن الاستراتيجية فى البلاد؟ وهل يمكن أن تنهى الدوحة عمل القاعدة التركية على أراضيها؟ وهل يمكن أن تغلق قطر قناة الجزيرة، أو تحولها على أقصى تقدير إلى قناة غير تحريضية بامتياز؟ وهل يمكن أن تتخلى قطر عن الدعم المطلق لجماعة الإخوان وجبهة النصرة والحشد الشعبى وطالبان والشيشان وكتائب بيت المقدس؟ وهل يمكن أن توقف قطر تمويلها لشركات الدعاية السوداء حول العالم، التى تسعى ليل نهار للاغتيال المعنوى لقادة الأنظمة المعادية لقطر؟
لو افترضنا أن احتمال الواحد فى المليار قد تحقق والتزمت قطر بذلك، فما الذى يبقى من «فكرة قطر المتعملقة» بنفوذها ومالها، والتى ترفض تماماً أن تلعب دوراً يتفق مع حجمها الجغرافى وتعدادها السكانى؟
هل يمكن تخيل قطر جديدة، بلا صخب إعلامى، ولا دور سياسى تصعيدى، ولا تمويل لجماعات من اليمن إلى تونس، ومن ليبيا إلى الجزائر، ومن سيناء إلى غزة، ومن واشنطن إلى تركيا، ومن برلين إلى باريس، ومن الصومال إلى النيجر، ومن العراق إلى إيران؟
قد يحدث ذلك نظرياً فى حالة واحدة، إذا لم تكن القيادة الحالية فى أسرة آل ثانى هى هى، بمعنى أن يكون هناك حكام جدد بفكر آخر، وسياسات أخرى، وقناعات أخرى تعتمد على الرضا والالتزام الكامل بأن تكون قطر دولة تحترم سيادة الغير وتؤمن بالتعاون مع جيرانها، ولكن دون السعى إلى لعب دور «التدخل بهدف السيطرة على الأنظمة من أجل المساهمة فى تقسيم المنطقة إلى دويلات أفقياً ورأسياً».
مشروع الدويلات الصغيرة الذى يحوّل المنطقة إلى 50 دويلة صغيرة يعطى إذا حدث - لا قدر الله - تعويضاً نفسياً عن عقدة صغر مساحة الجغرافيا وقلة تعداد السكان، لأنها ستكون دويلة ضمن دويلات لا تنافسها دول مركزية ضخمة المساحة والسكان مثل السعودية ومصر والسودان والجزائر وسوريا والعراق.
الآن تعانى قطر، بعد 5 سنوات من المقاطعة، ضغطاً شديداً على اقتصادها، فأسعار النفط لا تزيد، وسوق الغاز سوف تواجه بدء دخول لاعبين جدد مثل السعودية ومصر واليونان وقبرص، وقريباً سوريا ولبنان.
المستقبل القريب لا يبشر بتحسن فى أداء الاقتصاد القطرى بسبب ارتفاع فاتورة توفير السلع الأساسية من تركيا وإيران، وبسبب توفير دفعات منشآت كأس العالم لكرة القدم وتجهيزاتها الباهظة.
واقع الأرقام الرسمية القطرية يؤكد فقدان الصندوق السيادى القطرى لقرابة ثلث ميزانيته، حتى انخفض عن رقمه المعروف 320 مليار دولار، بعد المقاطعة وللإنفاق على دعم تركيا عقب الانقلاب وتمويل عملياتها العسكرية فى شمال سوريا بالكامل، وتعدى العجز الحكومى 170 مليار ريال قطرى، وفقدان الصندوق السيادى القطرى لمكانته فى الوجود ضمن أكبر عشرة صناديق سيادية فى العالم ودخول الصندوق السيادى السعودى محله.
المطروح على قطر بوضوح كامل: التزام كامل بكل الشروط باتفاق مع كل الدول الأربع دفعة واحدة.
أى شبه هدنة، أى شبه تهدئة، أى شبه حسن نوايا، لا ينفى أن ذات أسباب الأزمة حينما بدأت كما هى لم تتغير، بل ازدادت صعوبة وشكوكاً وتراكمات نفسية شديدة العمق.
وقد يهمك أيضًا:
لبنان: الرئيس فى مواجهة الشارع!
عند البعض: «الحكم أغلى من الحياة»!