صدقونى، ما نشهده اليوم له تفسير فوق العلم يمكن وصفه بأنه آية من آيات الله!
الكعبة المشرفة بلا طائفين، أول بيت بُنى لعبادة الله، اختاره الخالق، وشيدت مكانه الملائكة على الأرض قبل سيدنا آدم، وشيّد أركانه سيدنا إبراهيم وولده إسماعيل، عليهما السلام، بلا زائرين.
الكعبة بدون طواف هو ألم كبير فى قلوب المؤمنين، ألم أضعاف أضعاف أضعاف البقاء فى المنازل، والعزل الإلزامى، وحظر الخروج، وخسارة الاقتصاد، وتوقف الأعمال.
كل ذلك يذهب ويجىء، يصعد ويهبط، لكن الألم الروحى هو أقسى أنواع الألم.
إن بيت الله أمر لا يختص به المسلمون وحدهم لكنه ذلك المقدس عند الله من قبل الخليقة ولدى كل الأنبياء والرسل.
ولكن أن يُحرم المؤمن من بيت الله، أن يقف العاشق لربه على أبواب المسجد محروماً -مهما كانت الأسباب المنطقية القاهرة- من دخولها مسألة موجعة لقلب المحب لله.
أن يُمنع المؤمن من التعلق بأستار الكعبة المشرفة، يشم رائحة المسجد العطرة من نسيج كسوتها، ويلتصق جسداً وروحاً بأسوارها، ذلك هو العقاب الأعظم.
أن يتوقف الطواف حول البيت الحرام، ويختفى من داخل المسجد المؤمنون وتمتماتهم: «ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار»، هو تشريف محرومون منه لفترة قصيرة من الزمن.
إن مشاعر العاشق المتيم، العابد، الساجد، الساعى إلى التوحد فى ملكوت ربه، هو قمة المراد من رب العباد.
لقد خلقنا الله، وهو غنى عنا، وهو ليس بحاجة إلى جميعنا، أعظمنا وأدنانا مكانة، إن حكمة الخلق عند الخالق هى أننا خُلقنا كى نعبده ونُحسن عبادته.
وقلب المؤمن العابد الناسك هو مسجده، ومكان دعائه وركوعه، ولكن ذلك لا يغنى أبداً عن كون مسجدنا الحرام هو قبلتنا، وهو مركز الكون، وهو نقطة اتصال وسط بين الأرض والسماء.
كلامنا هذا ليس دروشة أو تخريجات عاطفية بعيدة عن صحيح الدين، إنه أيضاً كلام علمى.
وحينما نقول إن مكة المكرمة هى مركز الكون، فإن المساحة الجغرافية وخطوط الطول والعرض تقول إنها تقع على خط العرض 21 درجة و25 دقيقة شمالاً وتقع عند خط الطول 39 درجة و49 دقيقة شرقاً وترتفع 300 متر عن سطح البحر.
وهذا التوسط المعجز للكون يدلل عليه فى القرآن، وفى أقوال الرسول، عليه أفضل الصلاة والسلام.
إن بيت الله أكبر من حجارة أو تصميم مكعب الشكل يتوسط أكبر مسجد عرفته البشرية، إنه ببساطة بيت الله الذى أمر به الله وشيّده كى يُعبد فيه من عباده.
إن مشاهدة الكعبة بلا طواف مشهد حزين يدمى القلب ويستحضر الدمع.
حينما تتشاجر مع إنسان، فإن إحدى علامات الخصام هى عدم قدرتك على زيارته أو الاقتراب من بيته.
ربنا، نرجوك رجاء المتذلل إليك، الراجى لعفوك، الراغب فى مغفرتك، ألا يكون ذلك الوضع القهرى رسالة منك إلينا، أو علامة من علامات يوم رجفاء السماء على الأرض ومعشر بنى آدم.
ربنا لا تحرمنا من عظيم عفوك وواسع رحمتك، تلك الرحمة التى وسعت كل شىء وغفرت كل شىء إلا الشرك بك.
نعلم يا ربنا أن الإيمان ليس بنطق كلمات، ولكن الإيمان كما قال سيد الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام هو «ما صدقه الفعل» ونحسب أن تكون أفعالنا مصدقة لنطقنا بعبارات الإيمان.
ندرك يا الله أن أفعالنا لم تعط نعمك التى لا تعد ولا تحصى قدرها.
ندرك يا الله أننا لم نكن جديرين بنعمة العقل، وأننا استخدمنا عقولنا فى التآمر والشر والافتراء كذباً والظلم والفساد.
ندرك يا الله أننا لم نحسن تقدير خلقك لنا على أحسن صورة، وباستخدامنا أجسادنا فى البغى والعدوان والحروب والاستبداد والقوة الغاشمة وفعل الحرام.
ما أغرب قوانين هذا الكوكب من بدء الخليقة حتى وباء «كورونا»، كانت قيمة الإنسان بقدر اندماجه مع البشر، والآن أصبحت نجاته هى بانعزاله وابتعاده عنهم!!
ندرك يا الله أنك ميّزتنا بالضمير اليقظ الحى، لكننا تغافلنا عنه فأكلنا مال اليتيم، وحرمنا المسكين، وافترينا على ضعفائنا، واستحللنا الربا، وهتكنا الأعراض، وقذفنا المحصنات، واعتمدنا الكذب لغة رسمية لألسنتنا!
ربنا بداخلنا خوف عظيم، ورعب مزلزل، بعدما أصبح سيف الوباء القاتل على رقبة كل العباد؛ الحاكم والمحكوم، الأمير والخفير، الغنى والفقير، الأوروبى والأفريقى، الصينى والأمريكى، الأبيض والأسود، وكأنك تلمح إلينا بتجربة تساوى قطرة فى بحر من يوم الحساب العظيم الذى تصدع فيه السماء والأرض بعبارة مزلزلة تقول: «لمن الملك اليوم»؟
«لمن الملك اليوم»؟ لا فائدة الآن من العلم والعلماء، والحكومات والجيوش، ووزارات الصحة ومراكز الأبحاث، والمصارف والبنوك المركزية!
«لمن الملك اليوم»؟ هل هو لولى عهد بريطانيا، أم لأمير موناكو، أم لرئيس وزراء بريطانيا؟ أم لنصف مليون محتجز فى المستشفيات أم لثلاثة مليارات فى بيوتهم؟ أم لـ7 مليارات إنسان يعيشون أسوأ مسلسل رعب؟!
«لمن الملك اليوم»؟ لصواريخ روسيا الباليستية، أم لقنابل الصين النووية، أم لقنبلة الولايات المتحدة الكهرومغناطيسية أم لعطور فرنسا الفاخرة، أم لبنوك سويسرا وأرصدتها، أم لنفط العرب وغازهم، أم لإبداعات العلماء فى الاستنساخ البشرى وعالم الروبوتات، أم لصناعة الأعضاء البشرية؟
«لمن الملك اليوم»؟ ما يحدث الآن هو حرف واحد من حروف رسالة السماء إلى الأرض، هو قطرة بحر من قدرة الخالق، ذرة من ذرات أصغر جزىء من عظمة مالك الملك الواحد الأحد الفرد الصمد.
«لمن الملك اليوم»؟
هذا هو السؤال الأعظم الذى فشلت البشرية جمعاء فى الإجابة الروحانية الإيمانية عنه حتى الآن.
«لمن الملك اليوم» سؤال أجاب عنه شديد القوى فى محكم كتابه:
«يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَىْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ»
سورة غافر - الآية 16.
هل فهمنا الرسالة؟