يعتقد الرئيس دونالد ترامب بشكل مطلق أنه كلما أسرع فى فتح أبواب الحياة الطبيعية وتحريك الأسواق فى بلاده ساهم ذلك فى فوز مؤكد بمقعد الرئاسة الأمريكية!
وعلى عكس ذلك تماماً يؤمن -أيضاً- كثير من المراقبين أن ترامب إذا أقدم متعجلاً على إعادة الناس إلى حياتهم الطبيعية وإلى انتهاء القواعد الاحترازية للتباعد الاجتماعى قبيل وجود لقاح متوافر ودواء أكيد لفيروس كورونا، فإن ترامب نفسه سيكون أكبر ضحايا هذا الفيروس.
نعود إلى التحليل النفسى لشخصية ترامب الذى يعيش واقعاً افتراضياً صنعه بنفسه لنفسه لا علاقة له بمعطيات الواقع الملموسة، بسبب شعوره المتعاظم بالقوة بما يعطيه دائماً خللاً فى إدراك علاقة «الرغبة الشخصية»، بالقدرة الفعلية.
فى حالة فيروس كورونا فإن المسألة معقدة والتحدى عظيم، والحل ما زال مجهولاً، ورغم ذلك يعتقد ترامب، بقوة، أنه يستطيع دفع الأمور دفعاً إلى الانفراج والانفتاح فى أسرع وقت.
ومن علامات القرار السليم فى أى حكم رشيد هى مسألة توقيت القرار الذى يخضع إلى 3 احتمالات أساسية:
1- أن يتأخر القرار عن موعده، فيؤدى إلى تداعيات سلبية.
2- أن يتعجل القرار قبل نضوج العناصر الموضوعية المصاحبة فيؤدى ذلك إلى الإخفاق والفشل.
3- أن يكون القرار فى التوقيت المناسب، بمعنى ألا يتأخر عن موعده، ولا يكون قبل نضوج الأمور فيبدو لا حاجة إليه ولا معنى أو تبرير له.
توقيت القرار المناسب هو قمة حسن التقدير من صانع القرار، لأنه يلبى حاجة الناس عند شعورهم المنضبط فى الوقت بالحاجة إليه.
ترامب لديه سلم أولويات واحد، يستيقظ وينام عليه، يسيطر على أفكاره منذ ديسمبر الماضى حتى 19 نوفمبر المقبل وهو مقعد رئاسة الجمهورية.
الفوز بالفترة الثانية لدى ترامب يعلو أى أزمة أو محتوى أو ترتيب أولويات.
فى منطق ترامب «المقاول السياسى» الواقعى العملى، البراجماتى، الحسابى المحض، تصبح مسألة وفاة 40 ألفاً أو حتى مائة ألف أمريكى وإصابة 750 ألفاً أو حتى مليون ونصف، وخسارة من 3 إلى 4 تريليونات دولار فى الأزمة هى مجرد أرقام صماء لا تحرك عواطفه ولا تهز مشاعره الإنسانية.
ويقول «ستيف بانون»، رجل التسويق والخبير السياسى والمستشار السياسى الأول لترامب فى معركته الرئاسية الأولى، وصاحب نظرية «الشعبوية المعاصرة» فى الفكر السياسى الأمريكى: «إن ترامب قادر على فعل أى شىء، وقول أى شىء إذا كان ذلك سوف يضمن له البقاء فى مقعد الرئاسة».
هنا تصبح مسألة التعجل الشديد فى تطبيق خطة إعادة المواطنين الأمريكيين إلى الحياة الطبيعية، وهى خطة على 3 مراحل وتبدأ بعد أسبوعين على الأقل، هى مسألة التحدى الأكبر فى معركة الرئاسة الأمريكية.
إعادة الناس إلى الحياة الطبيعية وفتح الأسواق ليست مسألة ملف تحد رئاسى، لكنها بالنسبة لترامب جزء من معركة رئاسية، وشتان الفارق بين الاثنين.
ومن يقرأ الدراسة المهمة التى نشرتها الـ«نيويورك تايمز» منذ يومين حول هذا الموضوع يمكن أن يدرك حساسية وخطورة المسألة.
تقول الدراسة إن رغبة الرئيس فى إعادة الحياة الطبيعية فى أسرع وقت، وإن عمليات الإغلاق سوف تنتهى، وإن ملاعب كرة القدم سوف تمتلئ، والمطاعم سوف تشهد حركة قريباً هو «محض خيال وأوهام». وقال هارفى فاينبرج، رئيس الأكاديمية الوطنية للطب: «سوف نواجه مستقبلاً كئيباً». وتوقع الرجل والكثير من الخبراء أن يضطر الأمريكيون إلى البقاء فى الحظر فى بيوتهم لسنوات طويلة، لأن مسألة السيطرة إلى الفيروس سوف تستغرق وقتاً أطول مما يعتقد ترامب بكثير جداً.
ويقول هؤلاء الخبراء إن اللقاح سوف يكون مستعصياً، مما سوف يستغرق بعض الوقت، وهنا نأتى إلى أخطر تحذير فى المقال كله، وهو «تحذير الأطباء والخبراء من أن يضطر المواطنون المرهقون من الحظر، الذين نفد صبرهم، وانتهت قدرتهم على احتمال التباعد الاجتماعى، والذين فقدوا دخولهم إلى التخلى عن القيود والضوابط رغم بقاء المخاطر واستمرار نشاط الفيروس».
هنا لا قدر الله تحدث كارثة الكوارث ويتحول كل إنسان مصاب، فى ظل مجتمع مفتوح بلا ضوابط، إلى قنبلة جرثومية قابلة للتوالد والانشطار والتدمير.
رهان ترامب على سرعة فتح الاقتصاد وعودة الحياة الطبيعية -على عجل- وقبل نضوج الأمور، قد يكون الرصاصة الأخيرة التى قد تودى بحياته السياسية.