التفسير الإيرانى لما يحدث من انتفاضات أو ثورات أو انقلابات فى عواصم العالم العربى منذ العام 2011 لا يقوم على «منهج موحد ومستقر» بشكل موضوعى، لكنه «هوائى انتقائى يقوم على الانحيازات السياسية والطائفية المسبقة».
بالنسبة لطهران ما قام به الحوثيون فى صنعاء ثورة، ولكن ما قام به أغلبية الشعب فى لبنان مؤخراً «عمل تخريبى».
بالنسبة لطهران ما قامت به الجماهير الموجوعة المقهورة فى العراق مؤخراً هو مؤامرة مدفوعة من الخارج، بينما ما يحدث فى السودان والجزائر هو ثورات.
حتى فى تقييم الانتفاضات الدولية ما يحدث فى فنزويلا وهونج كونج الآن هو «أعمال تخريبية مدفوعة من الإمبريالية بواسطة عملاء».
ما حدث فى درعا فى بداية الثورة السورية بالمفهوم الإيرانى عمل مشروع من قبل نظام الحكم، وعمل مشبوه من قبل المتظاهرين السلميين.
الآن، انتفاضتا بغداد وبيروت تقلقان طهران، كما هو واضح بشكل لا يقبل التأويل أو الشك لأنه جاء علناً على لسان المرشد الأعلى للثورة الإيرانية السيد خامنئى على لسان «حسين شريعتمدارى»، ممثل المرشد الأعلى، حينما دعا إلى احتلال السفارتين الأمريكية والسعودية فى بغداد لأنهما -حسب كلامه- تديران التظاهرات الحالية فى بغداد الرافضة للفساد.
ولفت المرشد الأعلى فى تغريدة له إلى أن التظاهرات التى تتم فى العراق ولبنان الآن تسبب حالة من عدم الأمن الذى تسببه الولايات المتحدة والكيان الصهيونى والرجعية.
وفى هذا المجال تقول الكاتبة «حنين غدار» فى مجلة «فورين بوليسى»: «إن إيران تخسر الشرق الأوسط كما تخسر احتجاجات العراق ولبنان لأنها قد تكون ماهرة فى بناء تأثير لكنها ليست جيدة فى استخدامه بعد ذلك».
كلام السيد مرشد الثورة الإيرانية، وإن كان يبدو من وجهة نظرنا تدخلاً غير مبرر وغير مشروع فى الشئون الداخلية لدول المنطقة واعتداء واضحاً على سيادتها الوطنية فإنه من وجهتَى النظر الفقهية والدستورية فى إيران أمر «منطقى وطبيعى ويدخل فى نطاق الواجب الشرعى والدستورى للدور السياسى والفقهى للمرشد الأعلى».
يصف الدستور الإيرانى دور المرشد الأعلى الذى تأسس فى الثالث من ديسمبر 1979 بـ«أنه قائد الثورة الإسلامية» وأنه «رأس الهرم السياسى للسلطات الثلاث فى البلاد».
ومنذ أن تأسس الحرس الثورى فى أبريل 1979 برغبة من آية الله الخمينى، فإن المرشد الأعلى (فعلياً وقانونياً وروحياً) هو القائد الأعلى لجميع أفراد وقوات وإدارات وإمكانيات الحرس الثورى.
وبحكم وبنص الدستور الإيرانى فإن «مبدأ تصدير الثورة للخارج هو واجب أساسى للثورة الإسلامية الإيرانية يتعهده الحرس الثورى برئاسة وقيادة المرشد الأعلى».
ما يحدث فى العراق يزعج طهران لأنه يمس المصالح الإيرانية فى العراق الجار والتى اعتمدت فى ارتكازها هناك على حليفها الأساسى «الحشد الشعبى».
وما يحدث فى لبنان الآن من ثورة مطلبية وتحطيم «قداسة أصنام الطائفية والطوائف جميعها» يؤثر على المكانة السياسية والفعلية لدور الثنائية الشيعية فى النظام السياسى اللبنانى.
الثورات المطلبية فى العواصم العربية تحرج حلفاء طهران فى وقت دقيق تدخل فيه إيران فى أعقد وأصعب أوضاعها الإقليمية.
ومما يزيد من صعوبة الضغوط الفعلية والنفسية على طهران أن العقوبات الأمريكية المؤلمة للغاية على الاقتصاد الإيرانى جعلت «الدعم الإيرانى الفعال» الذى كان يمثل إحدى أهم أدوات القوة لدى طهران شبه معدوم وأصبح يشكل -بالتالى- ضغطاً على الحلفاء فى بغداد وبيروت الذين لا يستطيعون تلبية مطالب جماهيرهم اليومية.
أخطر ما فى موقف إيران من هذه الأحداث أن طهران تظهر -هذه المرة- بعيدة تماماً بل فى موقف مضاد ومتناقض مع «مظلومية المحرومين والمهمشين الذين خرجوا ثائرين ضد الفساد والاستبداد والطائفية».
فى العراق ولبنان وسوريا لا تبدو طهران وحلفاؤها مع الجماهير، ولكن مع السلطة ضد الشارع وهذا لا يتفق مع «نص وروح تصدير الثورة».