سؤال يتردد وسط تسريبات متعمدة مصادرها من 3 عواصم هى: واشنطن، مسقط، الكويت. السؤال مطروح، ويتم تداوله بقوة داخل الأوساط الدبلوماسية العربية وبالذات فى دول الخليج، وكأنه أمر واقع -لا محالة- عن قريب من أجل إنهاء ذلك الجرح النازف.
الحل الأسهل هو إهمال الإجابة عن السؤال وتركها للزمن القريب كى ينبئ الجميع بالحقيقة ويأتى بالإجابة القاطعة.
الحل الأصعب هو ما سأحاول فعله الآن وهو التجرؤ والتجاسر على إيجاد إجابة منطقية وواقعية وقائمة على معلومات حول هذا السؤال.
وفى هذا المجال يمكن رصد الوقائع التالية:
1- إن جميع اللاعبين الأساسيين، أى القادة فى مصر والإمارات والسعودية والبحرين من ناحية، وقطر وإيران وتركيا من ناحية أخرى، لم يتغير أى منهم فى منصبه.
باختصار، إن طرفى الأزمة يوم اندلاعها ما زالا فى مركز القرار.
2- إن المواقف المعلنة لطرفى الصراع لم يحدث فيها أى متغير رئيسى.
3- إن الموقف الأمريكى للبيت الأبيض الذى يديره الرئيس دونالد ترامب لم يتغير، فهو لا يسمح بعمل عسكرى ضد قطر أو إيران، وهو غير قادر على فرض تسوية عليهما بسبب انشغاله الأول والأخير بمعركة انتخابات الرئاسة فى بلاده.
4- إن الملفات الإقليمية فى اليمن وسوريا وليبيا والعراق لم تنفرج بل زاد تعقيدها، وما زال الدور القطرى التركى فيها يشكل تهديداً وجودياً لمصالح دول المقاطعة.
5- ما زالت «الجزيرة» تبث عدائياتها ضد مصر والإمارات والسعودية والبحرين، بل إن نغمة الاغتيال المعنوى ضد قيادات هذه الدول فى تصاعد هستيرى (لاحظ: إحياء ذكرى اغتيال خاشقجى، والهجوم الشخصى على ولى عهد أبوظبى وسفير الإمارات فى واشنطن، وتسخير قناة الجزيرة مباشر كمنصة للمقاول محمد على ضد الجيش المصرى، وبث دعايات مسمومة ضد حقوق الإنسان فى البحرين).
هذا كله زادت حدته فى المائة يوم الأخيرة.
6- لم ينخفض التعاون القطرى التركى، وهو أحد أهم المطالب الـ13 لدول المقاطعة، بل زاد بشدة خلال الأسابيع الأخيرة، خاصة حينما أعلن وزير الدفاع التركى فى تصريح علنى منذ عشرة أيام «شكر بلاده البالغ لدولة قطر التى تكفلت بكامل نفقات العملية التركية فى شمال سوريا».
7- ويمكن للمتابع الدقيق لسياسات قطر الخارجية أن يرصد بوضوح زيادة الدعم المالى المبالغ فيه من الدوحة لشركات العلاقات العامة والتسويق السياسى فى العام الأخير ضد الصورة الإعلامية لدول المقاطعة وقادتها ومصالحها ومحاولة الإساءة لها بأكبر قدر من التشويه المتعمد.
8- استمرار الدعم الكامل لنشاطات جماعة الإخوان المسلمين فى قطر، والتنظيم الدولى فى لندن، واللوبى الخاص بها فى واشنطن، والقنوات المؤيدة لها فى تركيا.
9- استمرار الدعم المالى والتسليحى للقوى المعادية للأمن القومى لدول المقاطعة فى سيناء وطرابلس وغزة وسوريا والعراق بمساعدة وتنسيق تركى.
10- لم يتوقف دعم الدوحة ليوم واحد خلال سنوات المقاطعة لكل من: جبهة النصرة فى سوريا، والحشد الشعبى فى العراق، وداعش والإخوان فى ليبيا، وكتائب بيت المقدس فى سيناء.
هذا ما حدث، ويحدث حتى كتابة هذه السطور.
وحتى لا تخوننا الذاكرة، فإن دول المقاطعة وضعت 13 مطلباً صريحاً من صناع القرار فى قطر أهمها:
- خفض مستوى علاقات قطر مع إيران، وعدم وجود أى من عناصر الحرس الثورى على أراضيها، وعدم إقامة نشاط تجارى مع إيران.
- إغلاق القاعدة العسكرية التركية فى قطر.
- إغلاق قناة الجزيرة فى قطر، وإغلاق جميع الوسائل المعادية التى تدعمها قطر.
- قطع العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين وجميع القوى الإرهابية التى تدعمها قطر.
وهناك قرار خاص بالتدقيق والمتابعة الدورية تبدأ شهرياً إلى عشر سنوات للتحقق من مستوى التزام قطر بهذا الاتفاق.
وقد يعتقد البعض -للوهلة الأولى- أن طلبات الدول المقاطعة شديدة أو قاسية، ولكن السبب فى ذلك يرجع إلى فقدان الثقة لهذه الدول فى نوايا وسلوك النظام القطرى بسبب عدم التزام الدوحة ببنود مشابهة فى اتفاق الرياض عام 2013 واتفاق الرياض التكميلى له عام 2014.
والمذهل أن قطر خالفت الالتزام بهما وتعدت ذلك بالتآمر المباشر فى تلك الفترة على الدول الأربع!
ولا يحتاج الأمر إلى عبقرية سياسية أو ذكاء عقلى كبير لأى محلل أو مراقب أن يصل إلى نتيجة واحدة منطقية أن السلوك النظرى لم يتغير، ولم ينسجم مع الشروط، بل زاد فى مخالفتها بشكل يوحى بأنه يسعى للتصعيد الكامل أكثر من ترطيب الأجواء أو التمهيد لمصالحة.
وإذا كان «العيد يظهر من هلاله» على حسب المثل الخليجى المعروف، فإن سماء قطر -حتى الآن- بلا هلال يوحى بالمصالحة، بل هى مظلمة موحشة طاردة للأمل فى أى غد مشرق.
قد يقول قائل إن كل هذا التصعيد القطرى خلال الشهور والأسابيع الماضية هو «بهدف بذل أقصى جهد للضغط على دول المقاطعة بحيث تصبح مسألة المصالحة مع الدوحة هى أغلى أمانيهم حتى يرتاحوا من ذلك الصداع والأضرار التى تسببها السياسات القطرية».
إذا كان ذلك هو هدف صانع القرار فى الدوحة، فإنه وقع للأسف فى خطأ هائل فى الفهم والتقدير لطبيعة صناع القرار فى القاهرة وأبوظبى والرياض والمنامة.
قادة هذه الدول أقوياء أذكياء أكفاء لا يستجيبون لسياسة الإساءة بهدف الابتزاز لفرض أمر واقع.
قادة هذه الدول لا يقبلون سياسة نظام يمول أعداءهم وأدواتهم الإرهابية ولا يرضون بتحالفات قطرية مع أنقرة وطهران والحشد الشعبى وجبهة النصرة وبيت المقدس وجماعات الإسلام السياسى الداعمة للإرهاب.
قادة هذه الدول لا يبحثون مع قطر عن أى حل بأى ثمن فى أى وقت. جميعهم يدركون أن الوقت لصالحهم وضد قطر وحلفائها فى المنطقة.
الاحتمال الوحيد الباقى فى عام انتظار الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وفى حالة سعى من فى المنطقة إلى البحث عن «مخارج آمنة ومشرفة» للملفات الإقليمية المختلفة أن يحدث قبول على اختبار نوايا حذر للغاية مع قطر بهدف تهدئة مؤقتة يتضح فيها الفارق بين «الخيط الأبيض من الخيط الأسود» فى سياسات قطر وحلفائها وأدواتها!.
بعد ما سبق، أقول بتواضع إنه مع استمرار ذات اللاعبين، واستمرار قواعد اللعبة، واستمرار السياسات العدائية القطرية، فإن الحديث عن مصالحة مع قطر لا يعدو «تسريبات إيجابية أو أمنيات حالمة ما قبل انعقاد القمة الخليجية قريباً».
غداً بإذن الله نتابع الإجابة..
وقد يهمك أيضًا:
«التاريخ فيه مؤامرات لكن ليس كله مؤامرة!»
«استقيلوا يرحمكم الله»!