هل يمكن لقطر أن تلعب دور الوسيط المقبول والناجح بين واشنطن وطهران؟
هذا الدور تحدث عنه صراحة سمو وزير الخارجية القطرى مؤخراً حينما قال: «نحاول أن نسد الفجوة بين إيران والولايات المتحدة».
إذن قطر تطرح نفسها كوسيط، فى الوقت الذى أعلن فيه المتحدث باسم الخارجية الإيرانية مؤخراً: «نحن لم نطلب الوساطة بيننا وبين واشنطن من أحد».
هذا «العرض» القطرى، ومحاولة الدوحة «تعظيم مفتعل» لقدراتها ودورها فى الوساطة، يأتى وهناك قوى أخرى أكثر قدرة وجدارة وتنطبق عليها مواصفات الوسيط المقبول أكثر من أى جهد قطرى.
الوسطاء أولهم اليابانى بدرجة رئيس وزراء، وثانيهم الألمانى بدرجة وزير خارجية، وثالثهم العمانى بدرجة سلطان. ثلاثتهم: اليابانى، والألمانى، والعمانى لديهم من الثقل السياسى، ومن الوزن النسبى، ومن القبول المعنوى أكثر من الوسيط القطرى.
إذن لماذا تفرض قطر نفسها وسيطاً الآن؟
قطر مأزومة، لأنها، فوق كل خلافاتها مع دول المنطقة، وفوق حصارها، أصدرت بياناً أغضب الأمريكيين حينما اعترضت على إدانة إيران فى قمم مكة: العربية والخليجية والإسلامية.
مصدر الأزمة هو ذلك التناقض المذهل بين رفض أى ضغط أو إدانة للدور الإيرانى فى المنطقة، فى ذات الوقت الذى تدفع فيه قطر 1٫8 مليار دولار أمريكى من خزانتها لتطوير وتوسعة قاعدة «العديد» كى تنطلق قاذفات القنابل الثقيلة «ب 52» لضرب أهداف إيرانية فى حال حدوث أى تصعيد عسكرى.
على مستوى التصريحات والكلام، الدوحة مع إيران، وعلى مستوى التنسيق الأمنى والدعم العسكرى، والتسهيلات، والتمويل؛ الدوحة هى صاحبة أكبر قاعدة أمريكية خارج الولايات المتحدة فى منطقة الشرق الأوسط (!!).
قاعدة العديد هى «الحبل السرى» الذى يربط بين واشنطن والدوحة.
تأسست القاعدة وأصبحت مشروعاً علنياً عام 2005 بعدما طلبت السعودية رسمياً من القوات الأمريكية مغادرة قاعدة «الأمير سلطان»، وقامت الدوحة على الفور بعرض خدماتها فى منح العرض والأرض والتسهيلات والخدمات والتمويل لوجود قاعدتين فى «العديد» و«السيلية» تمارس فيهما القوات الأمريكية براً وبحراً وجواً أدوارها دون أى تدخل من قبل السلطات القطرية ذلك بنص الاتفاق الموقع بينهما.
وفى انطلاق الجولة الثانية من الحوار الاستراتيجى بين قطر والولايات المتحدة وفى المؤتمر الصحفى بين وزيرى خارجية البلدين يشدد بومبيو على أن «قاعدة العديد تعد مفتاح الأمن الدفاعى الأمريكى».
وتم فى هذا الاجتماع الاتفاق على توسيع الوجود الأمريكى فى قاعدة «العديد» وذلك من خلال بناء ثكنات سكنية ومبانٍ خدمية ورفع مستوى الخدمات المقدمة لـ10 آلاف جندى أمريكى يقيمون فى القاعدة.
وحسب نص الاتفاق فإن مدة هذه التسهيلات تنتهى فى عام 2023 وتسعى الدوحة إلى أن يتم توقيع نص جديد وقريب يعطى الولايات المتحدة مدة زمنية أطول أو أبدية!! وتشعر الدوحة بقلق لأن هناك تفكيراً أمريكياً بنقل القاعدة إلى دول أخرى مثل شرق الأردن أو البحرين أو كردستان، لذلك تريد قطع الطريق بعمل اتفاق نهائى وجديد لتأمين العلاقة الاستراتيجية مع واشنطن.
وتقول المصادر المطلعة والقريبة من التحركات القطرية الأخيرة، إن الدوحة فسرت لواشنطن موقفها فى الاحتجاج على بيان القمة فى مكة على النحو التالى:
1- أن قطر مرتبطة بمصالح مالية وتجارية مع إيران أهمها «بئر الشمال» للغاز الذى تتقاسم فيه مع الجانب الإيرانى إنتاجه.
وتعتبر هذه البئر هى أكبر بئر فيها مخزون احتياطى للغاز فى العالم، وتحصل الدوحة على نسبة 13٪ منها، وهناك خلاف فى الآونة الأخيرة بسبب تجاوز الجانب القطرى فى حصته، خاصة بعدما تم فرض الحظر والعقوبات على الجانب الإيرانى فأصبحت قطر وحدها القادرة على التصدير.
2- أن قطر حينما كانت توقع اتفاقات تعاون مع إيران، فى الوقت الذى تمنح فيه الولايات المتحدة سيادة كاملة على قاعدتى «العديد» و«السيلية»، كانت تستبعد دائماً حدوث مواجهة مباشرة بين طهران وواشنطن.
3- أن قطر شريكة الولايات المتحدة فى الأمن وشريكة إيران فى الغاز قادرة على لعب دور وسيط أفضل من الطرف العمانى.
4- أن قطر لديها سوابق فى خدمة المصالح الأمريكية بإخلاص حينما فتحت مكتباً لحركة طالبان فى الدوحة بناء على طلب سرى أمريكى، ونقلت خالد مشعل من دمشق ليقيم فى الدوحة، وفتحت مكتباً لحركة الشيشان، وأعطت قيادة التنظيم الدولى لجماعة الإخوان ملجأ آمناً فى قطر، وموَّلت بالكامل نشاط جبهة النصرة فى سوريا، وقامت بدفع فديات مالية لإنقاذ رهائن أمريكيين وأوروبيين بدلاً عن دولهم، حيث إن قانون هذه الدول يحرم التفاوض مع الخاطفين.
تعرف الدوحة أن وضعها مأزوم، هى وحليفها التركى ووكلاؤها، فى المنطقة من السودان إلى ليبيا ومن غزة إلى جماعة الإخوان، وتحاول الآن الانتقال من غرور عظمة دور الطرف الفاعل إلى دور أدنى وهو الوسيط المقبول.
باختصار شروط الوسيط الناجح لا تنطبق على اللاعب القطرى.