بقلم : عماد الدين أديب
فى حالات الصدام فى الشوارع، أثناء حركات الاحتجاج، هناك منطقان لكل منهما فلسفته يحاول تسويق نفسه.
يحدث ذلك فى ظل غياب لغة الحوار أو مبدأ التفاوض.
المنطق الأول منطق الجماهير المتظاهرة المحتجة على الأوضاع.
يرى هؤلاء أنهم أصحاب حق مطلق فى التظاهر والاحتجاج بكل أشكال الرفض للأوضاع، بدءاً من التظاهرة السلمية الصغيرة إلى الاحتجاج الشعبى الذى يصل إلى حالة العصيان المدنى الشامل الذى يؤدى إلى الشلل الكامل للبلاد والعباد.
ويرى أصحاب هذا المنطق أنهم عاشوا فترة ظلم وإهمال وتهميش جرَّاء الفساد والاستبداد، وأن ما يقومون به من احتجاج هو «رد فعل» طبيعى ومنطقى مضاد فى الاتجاه مساوٍ لحجم المظالم التى وقعت عليهم.
ويرى أصحاب هذا المنطق أنه قد حان الوقت لتغيير أدوات هذا النظام، من سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية، بعدما ثبت فشلها فى توفير الحد الأدنى من الحقوق والخدمات الأساسية للمواطنين.
فى المقابل، هناك منطق سلطة الدولة التى تقول إن هناك حجم مشاكل متراكمة موروثة داخل المجتمع، وإنه من الظلم تحميل السلطات الحالية مسئولية أخطاء وخطايا تاريخية قديمة.
وتقول السلطات إن غضب الجماهير فى بعض القضايا محق تماماً، ولكن هناك أيضاً قوى «شريرة متآمرة» تحاول استغلال حقوقه المطلبية، وتُسخرها لأجندات خطرة وخارجية تهدف إلى إسقاط الحكم.
ويقول منطق السلطة إن هناك فارقاً جوهرياً بين حق الاحتجاج من أجل مظالم وحقوق وبين الدعوة إلى إسقاط النظام.
بمنطق السلطة، فإن الدعوة لإسقاط النظام هى دعوة إلى الفراغ السياسى المؤدى إلى الفوضى، وهى جزء من مشروع إسقاط الدولة الوطنية عبر تظاهر الجماهير الذى ظهر فى أوكرانيا وهونج كونج ودول الربيع العربى، ويحدث ذلك الآن فى لبنان والعراق والجزائر.
ويحذر هؤلاء من شعار «الشعب يريد إسقاط النظام»، لأن هذه الدعوة -كما يقولون- «ظاهرها برىء وباطنها شرير».
صراع الشارع الراغب فى خلع السلطة مع الحكم الذى يريد فرض استمراره، فاتورته هى الأغلى والأصعب فى تاريخ الشعوب.