فى ظل عالم مضطرب مالياً، متوتر طائفياً، مأزوم اجتماعياً، معظم حكامه بلا بوصلة استراتيجية، وفى منطقة على حافة انفجارات متعددة: كيف يمكن إحداث إصلاح شامل يأتى بالاستقرار والعدالة والإنصاف؟
سؤال الأسئلة الذى يفرض نفسه بقوة على عقول وضمائر كل من هو مهموم -صدقاً- بمستقبل عالمنا العربى الصبور.
هذا التصور ناقشته فى الندوة التى تشرفت بإدارتها فى المنتدى الاستراتيجى هذا الأسبوع وكان ضيفها: دولة الرئيس فؤاد السنيورة، رئيس وزراء لبنان الأسبق، ومعالى مروان المعشر، نائب رئيس وزراء الأردن الأسبق، ووزير خارجيته الأسبق.
عنوان الندوة: «صورة العالم العربى فى العقد المقبل».
صعوبة تصور شكل العرب والمنطقة لمدة عقد من الزمان ترجع إلى أننا نعيش عالماً يتسم بالسيولة الشديدة، مفتوح الاحتمالات، كل شىء فيه قابل للحدوث، لا يمكن التنبؤ بردود فعل القائمين عليه مما يوصلك إلى أعلى درجات حالة «عدم التيقن» فى حال اليوم والغد.
هنا نركز حوارنا بالدرجة الأولى حول فكر الإصلاح الشامل لمواجهة هذه الحالة المخيفة المزرية التى يعايشها شعبنا العربى الصبور.
وتعريف الإصلاح السياسى هو «تحسين وضع أو تعديل ما هو خطأ أو فاسد أو غير مُرضٍ»، وتم استخدام هذا المصطلح فى سياقه السياسى لأول مرة فى أواخر حركة كريستوفر ديفل التى سعت لإصلاح برلمانى شامل فى السياسات.
من أفضل ما سمعته بشكل عاقل وواقعى هو ما قاله د. فؤاد السنيورة فى هذه الندوة وهو يصف الإصلاح عندما قال:
1 - «الإصلاح قرار يقوم به المجتمع حينما يكون جاهزاً له وليس حينما يكون مجبراً عليه».
2 - «الإصلاح هو فعل إيمان به وليس ترديداً لكلام شعبوى يسعى لدغدغة وتغييب مشاعر الجماهير».
3 - «الإصلاح ليس بالتدليس على الناس بوعود براقة وكلام معسول ولكن من خلال استنهاض الناس عبر تصويب بوصلة الاتجاه الاستراتيجى».
قال د. السنيورة هذا الكلام بعدما عاصر معاناة وصراعاً وكفاحاً مريراً حينما كان رئيساً لأصعب حكومات لبنان من 19 يوليو 2005 حتى التاسع من نوفمبر 2009.
وتولى أيضاً حقيبة وزارة المالية عدة مرات.
د. مروان المعشر، الذى لديه رصيد من التعمق السياسى والفكرى فى ملف الإصلاح والتحديث كانت له ملاحظات هامة قال فيها:
1 - «إن غضب الجماهير الذى ظهر فى 12 شارعاً عربياً حتى الآن يرجع إلى الشعور العميق بالظلم وعدم الإنصاف وبالعجز عن المشاركة فى صناعة الحاضر والمستقبل.
2 - «فى بداية الربيع العربى تم تخيير الناس بين قبول الاستبداد، أو قبول الفوضى والمجهول، وقتها -حسب كلام د. مروان- اختار الناس قبول الاستبداد لمنع الفوضى والإرهاب -مؤقتاً- ولكن اتضح للجماهير بعد ذلك أن الاستبداد لم يمنع الفوضى ولم يؤدِّ إلى الإصلاح المنشود.
3 - يحذر د. مروان المعشر من الحالة الراهنة للاحتجاجات الشعبية «الموجة الجديدة» كما هو حادث فى شوارع العراق ولبنان والجزائر حيث أصبح المواطن لا يهمه القبول بالفوضى، بل أصبح يرفض خيار إما الاستبداد أو الفوضى، وأصبح مطلبه الرئيسى فلتذهب الطبقة السياسية الحاكمة حتى لو كان البديل هو الفوضى.
4 - يرى د. المعشر أن بداية الخيط فى الإصلاح هى إيجاد صيغة مشاركة للناس فى صناعة القرار.
باختصار نحن كنا، وما زلنا، وسوف نستمر لوقت طويل فى صراع حاد بين فريقين الأول: فى الشارع يتبنى الإصلاح، والثانى فى بعض مراكز الحكم يتبنى «الإفساد».
مباراة بالدم والعرق والدموع لم يطلق فيها «الحكم التاريخى» صفارة النهاية بعد.
إلى أن تأتى صفارة النهاية، فليرحمنا الله، وليلطف بنا، إنه قادر على كل شىء.