لماذا يعشق البعض السلطة؟
سؤال مباشر، يحتاج لإجابة مباشرة!
السلطة تعنى السلطان، والسلطان يعنى القوة.
فى دول الاستبداد القوة لخدمة فرد أو عائلة أو طبقة أو حزب.
فى دول الحريات القوة فى خدمة الناس، ملتزمة بقوة الدستور، تحت سقف القانون.
يحرص البعض على القوة بهدف الحكم، فالتحكم، فالسيطرة بهدف الاستبداد من أجل ممارسة الفساد.
والفاسد هو من أفسد أو فسد أو سهّل الفساد، أو شجّع الإفساد، أو صمت عنه ولم يمنعه!
عشق السلطة يعطى صاحبه شعوراً استثنائياً بالقوة المضافة التى تجعله يشعر أنه فوق الحق، وفوق العدل، وفوق البشر.
يستحيل أن تجد رجلاً يؤمن بالمواطنة المتساوية، وحكم القانون، ودولة العدل والإنصاف، وهو فى الوقت ذاته يعشق السلطة.
الذى يؤمن بهذه المبادئ السامية يؤمن أيضاً بأن المسئول مهما ارتفع منصبه هو خادم أمين للشعب الذى يعتبر مصدر السلطات وصاحب الحق الأول فى مستقبل البلاد وشئون العباد.
إذا كانت مفاهيمك للسلطة، أى سلطة، هى الخدمة، فأنت بلا شك سوف تدرك بأن وجودك فى منصبك هذا مؤقت مرتبط بمدى كفاءتك وجدارتك بالمنصب.
إذا كنت تؤمن بأن السلطة خدمة للناس، فإنهم وحدهم الذين يعطون لصاحب المنصب تأشيرة الصلاحية فى البقاء والاستمرار أو طلب الرحيل والاستقالة.
البعض، وما أكثرهم هذه الأيام، يرون أن المنصب العام هو المرحلة الأخيرة التى ينتقل فيها المسئول من مقعد السلطة إلى القبر!
باختصار بعض الناس يرون أن السلطة هى رحلة بطاقة سفر واحدة «من السلطة إلى القبر»!
هؤلاء لا يتخيلون أنه من الممكن أن ينتهى دورهم الوظيفى، لا أن يكون دورهم مؤقتاً، أو أنه يمكن أن يختاروا طواعية أن يتركوا الحكم أو المنصب لأسباب مبدئية أو صحية أو مهنية.
بعض الناس يبقون فى المنصب حتى يرجمهم الناس كل يوم بالطوب، أو لو تدهورت صحتهم وأصبحوا -عفواً- يصابون بالتبول اللاإرادى، أو لو استحالت عليهم مقومات أداء وظيفتهم!
هؤلاء لا يستقيلون! هؤلاء لا يعرفون كلمة أو فعل الاستقالة فى قاموسهم! هؤلاء لا يرون أن هناك أى حياة أو أى معنى أو قيمة حقيقية إلا البقاء فى السلطة.
عشق السلطة ليس بدعة مستحدثة، إنه أمر فطرى منذ عصر الإنسان الحجرى الأول!
عشق السلطة هو الذى خلق الصراعات فى عهود الأسر الفرعونية وأدى لانتحار كليوباترا، وأقام الحروب الدينية، واقتتال خلفاء الدول الأموية والعباسية والمماليك والسلاجقة والعثمانيين، وأقام الحروب الأهلية فى الولايات المتحدة وروسيا وأمريكا اللاتينية والأسر الحاكمة فى الصين واليابان وبريطانيا وفرنسا والنمسا.
عشق السلطة هو الذى أضاع هولاكو، والإسكندر الأكبر، ونابليون بونابرت، وصدام حسين، وعيدى أمين، ومعمر القذافى، وبينوشيه، وبابا دوك، وغيرهم.
كان سلاطين العثمانيين فور توليهم الحكم يدشنون حكمهم بقتل وذبح كل نسل وأطفال أشقائهم، بمن فيهم نسل شقيقهم السلطان الراحل، حتى ينقطع نسلهم ولا يكون لأى منهم أى وجود فى الحياة للمطالبة بتولى العرش أو المطالبة بمقاسمة السلطة.
كان الخلفية معاوية بن أبى سفيان، الذى يعتبر أحد كبار دهاة العرب، يقول عن الحكم: «لا أضع سيفى حيث يكفينى سوطى، ولا أضع سوطى حيث يكفينى لسانى».
أما الخليفة العباسى هارون الرشيد، الذى بويع فى ذات الليلة التى توفى فيها أخوه موسى الهادى، عام 170 هجرياً، فقد قال عن بريق الحكم: «يا بنى الملك عقيم ولو نازعتنى أنت على الحكم لأخذت الذى فيه عيناك».
ملحوظة بسيطة: كان «هارون» فى هذه العبارة النارية يهدد ابنه فى حالة لو نازعه المُلك!
وقد يهمك أيضًا:
الاستعباد من أجل الفساد!
عند العرب: الشعب والسلطة يسقطان بعضهما!