كيف نفهم دور الإمارات العسكرى خارج حدودها؟
وما مفهوم الأمن القومى الإماراتى الحالى؟ هل هو الدفاع المباشر عن حدودها الدولية أم التعامل مع مصدر الخطر البعيد بشكل استباقى قبيل أن تصل نيرانه إلى الداخل؟
إن قراءة القيادة السياسية فى أبوظبى هى أن المنطقة تتعرض لأخطار مباشرة من الجنون التركى، والمشروع الإيرانى، والميليشيات الإرهابية من «داعش» إلى «القاعدة»، ومن الحوثيين إلى الإخوان، لذلك وجبت مواجهتهم فى أى جهة لإيقاف شرورهم المباشرة ومشروعهم التوسعى.
ويؤمن الشيخ محمد بن زايد، مقاتل الطيران، والدارس لعلوم الاستراتيجية العسكرية ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أنه «يتعين قتال قوى الإرهاب التكفيرى عند حدودهم قبل أن ننتظر حتى يصلوا إلى حدودنا».
من هنا يمكن فهم دور الإمارات فى اليمن وسوريا وليبيا والصومال وجيبوتى وأفغانستان.
ومن هنا يمكن فهم الموقف الفكرى القوى ضد جنون أردوغان، ومشروع الإخوان، وتحركات «داعش» و«القاعدة» فى المنطقة.
والآن يتعين علينا شرح وفهم مغزى وحقيقة عودة القوات الإماراتية التى شاركت فى معارك عاصفة الحزم فى اليمن.
بداية الخيط تبدأ من نقطة جوهرية وبسؤال أساسى: هل ذهبت قوات الإمارات فجأة هكذا من تلقاء نفسها كقوة معتدية هادفة لاحتلال اليمن كما يشيع الحوثى وأنصاره؟
الحقيقة أن أول طائرة مقاتلة أطلقت أول صاروخ إماراتى فى اليمن كانت عقب 36 ساعة من مشروع الاحتلال الفعلى الذى قامت به قوات الحوثى فى الحديدة وقامت باحتلالها.
تدخُّل الإمارات منطقى لأنه:
1 - جاء بطلب من السلطة اليمنية الشرعية.
2 - هناك تهديد للأمن القومى الإماراتى، حيث إن اليمن استراتيجياً لديها شريط ساحلى يبلغ طوله 644كم، ولديها حدود أرضية تبلغ 410 كم مع عمان، و457 كم مع السعودية، لذلك فإن أى خطر يهدد الجيران أو السواحل له تأثيره المباشر على أمن الإمارات.
عودة القوات ليست انسحاباً أو تخلياً عن الدور، أو خروجاً على التحالف، لكنها تموضع جديد يفرضه تغير شكل القتال فى اليمن من المواجهة المباشرة التى كانت تفرضها ضرورات الواقع على مسرح العمليات إلى اتباع سياسة أخرى وهى التدخل عن بُعد، بعدما تحققت أهداف التدخل المباشر عن قرب.
هل هذا الكلام حقيقى أم دعائى؟
الإجابة عن هذا السؤال تفرضها الأرقام والحقائق لنعرف هل حققت هذه القوات أهدافها - فعلياً - حتى يصبح خروجها منطقياً، وعودتها لبلادها هى عودة المنتصر الذى حقق أهداف القتال بنجاح؟
ماذا حققت القوات الإماراتية فى اليمن كما تقول الأرقام والإحصاءات:
1 - قامت القوات الجوية الإماراتية بـ 130 ألف طلعة جوية فوق اليمن بلغ عدد ساعات الطيران فيها مليون ساعة.
2 - قام سلاح البحرية الإماراتية بتوفير 50 قطعة بحرية فى خليج عدن يديرها 3 آلاف جندى وضابط، قامت بنقل ألف عربة نقل عسكرية بلغ وزنها مليون طن.
3 - نفذ قرابة 18 ألف جندى وضابط إماراتى على الأرض 85٪ من العمليات البرية الناجحة فى تحرير الأراضى المحتلة التى كانت فى قبضة قوات الحوثى وأنصارهم.
4 - جندت ودربت القوات الإماراتية فى اليمن أكثر من 200 ألف جندى وضابط يمنى على أعلى مستوى من التسليح وإدارة المعارك وفنون القتال.
5 - أعطت القيادة الإماراتية مثلاً وقدوة حينما اختارت أن يكون ضمن القوات الأولى المقاتلة فى اليمن براً وبحراً وجواً مجموعة من أعز أبناء الشيوخ حتى تضرب المثل بالقدوة اللازمة.
6 - سقط أول شهيد فى هذه المعارك وهو الشهيد الملازم أول عبدالعزيز الكعبى وبلغ مجموع من دفعوا الثمن واستشهدوا منذ بداية المعارك حتى نهايتها 108 شهداء وعشرات من المصابين الذين يتلقون العلاج الآن بصبر وشجاعة.
وأُسس جيش الإمارات منذ عام 1951 بشكل نظامى، وعقب إعلان الدولة تأسس بشكل احترافى، وتطور بشكل عصرى وكفء فى ظل قيادة الفريق محمد بن زايد.
بلغ الجيش النظامى فوق المائة ألف فرد، وهناك مثلهم فى الاحتياط فى سن القتال وتبلغ نفقاته السنوية ما بين 18 إلى 20 مليار دولار سنوياً، ويأتى ترتيبه الـ43 على مستوى جيوش العالم.
ويدعم جيش الإمارات صناعة عسكرية متقدمة للغاية تقوم بها تسع شركات على أرفع مستوى من الصناعات العسكرية المدعومة بقاعدة دراسات متقدمة من كليات الذكاء الاصطناعى فى الإمارات.
«درة التاج» ومركز القوة فى جيش الإمارات هو السلاح الجوى.
وتؤكد الأرقام:
تأسس سلاح الجو الإماراتى عام 1968، يعمل به الآن قرابة خمسة آلاف فرد، ولديه ما يقرب من 368 طائرة، منها «الأباتشى وسيكورسكى والميراچ 2000، وإف 16» وعشرات من طائرات النقل والتدريب.
ويتميز الطيار الإماراتى بكفاءة عالية بسبب دورات التدريب وساعات الطيران التى توفرت له أكثر من غيره.
ويخطئ من يعتقد أن الإماراتى بدأ القتال دفاعاً عن أمنه القومى فى السنوات الأخيرة فقط، فهو جاهل بالتاريخ، وأهل هذه المنطقة يحاربون منذ 1780، ودخلوا فى قتال متعدد فى قطر والبحرين، وشاركوا فى الحملات البريطانية الأربع فى المنطقة وفى حرب «البريمى»، وفى ثورة ظفار، وشاركوا فى قوات الردع العربية فى لبنان، وقوات الأمم المتحدة فى الصومال وأفغانستان، وفى قوات درع الجزيرة فى البحرين، ومع قوات التحالف فى العراق، وحاربوا ضد «داعش» فى العراق وسوريا وليبيا.
أمس الأول (الأحد) هو يوم تاريخى يجب أن يفخر به أهل الإمارات وقيادتهم لأنهم اختاروا الثمن الصعب بدلاً من أن يختاروا موقع المشاهد السلبى السعيد بثروته المستمتع بها وغير المبالى بصعود الإرهاب التكفيرى ووجوده على أعتاب منازلنا.
هذا يوم للتاريخ، وموقف للإنسانية.
وكما قال الشيخ محمد بن زايد فى تغريدته أمس أن الدور الإماراتى مازال مستمراً فى اليمن، حينما كتب: «ستكون يد تحمى ويد تبنى وبإذن الله باقون سنداً وعوناً للشقيق»!!