انقسم التحليل السياسى لمسألة وباء كورونا ما بين مدرستين، الأولى تتحدث عن كونها تفشٍّ لفيروس من فعل الطبيعة نشره إهمال بشرى، والثانية تقوم على نظرية المؤامرة الكونية المدبَّرة بهدف شرير ومدمر.
هذا السجال وذلك التراشق بدءاً من مراكز الأبحاث العلمية إلى مراكز الدراسات الاستراتيجية حتى أعمدة الصحف وصولاً إلى هيستيريا وسائل التواصل الاجتماعى التى تعج بنظريات حمقاء ومجنونة ما أنزل الله بها من سلطان.
فى الحالتين، سواء كانت «كورونا» خطأ وإهمالاً أو مؤامرة وشروراً، ففى الحالتين فإن الأمر المؤكد أنها ستكون، بالنتائج النهائية والأرقام والإحصاءات، أكبر فاتورة خسائر مالية للبشرية فى المائة عام الأخيرة.
وتزداد المسألة خطورة وتعقيداً إذا وصلنا إلى محصلة أن عالم ما قبل كورنا فى المال والأعمال والسلوك البشرى والنظام الصحى وأنظمة السفر وقواعد التجمعات البشرية ومعايير انتقال الأفكار والبضائع والأفراد سوف ينقلب رأساً على عقب.
إنسان ما بعد الكورونا سيجد سلامته فى الانعزال، والحكومات ستجد وسيلة بقائها فى زيادة السيطرة وتحجيم الحريات العامة والشخصية، ورؤوس الأموال ستكون أكثر حرصاً وأقل مخاطرة وشديدة المحلية.
وسط ذلك يصاب الرأى العام العالمى بحالة من التمزق والتشتت بين صراع الأفكار حول أسباب ودوافع وحقائق ميلاد وانتشار هذا الفيروس الوبائى.
قرأ وسمع وشاهد العالم نظريات متعددة، كلها شديدة التضارب والتناقض.
نظرية أولى ترى أن الوباء الذى كان يتم تخليقه فى معمل «ووهان» بالصين حدث فيه تسرب وإصابات أدت إلى انتقال الفيروس إلى سكان المنطقة هناك، وأن الخطأ الصينى الأعظم هو عدم شفافية السلطات فى الإعلان عن الحادثة وعدم إخطار منظمة الصحة العالمية للولايات المتحدة الأمريكية بالتفاصيل الأوّلية وإحاطة العالم، مما أضاع فرصة الإنذار المبكر للتعامل مع الجائحة العارمة، وتخفيض نسبة الإصابات والوفيات.
المدرسة الثانية من التفكير تقول إن الفيروس عمل شرير مدبَّر من جهة أمنية فى الصين بهدف التأثير على أسعار الشركات الدولية المساهمة فى الصين وبورصات العالم، مما يعطى صندوق الاستثمار الصينى الذى تملكه الدولة فرصة الاستحواذ على مليارات الأسهم بسعر شديد التدنى.
المدرسة الثالثة من التفكير أن الإصابة كانت بسبب قيام مواطنين صينيين فى «ووهان» بتناول حساء ولحم الخفافيش الحاملة للفيروس، وساعد على ذلك الصمت المتعمد من السلطات الصينية لإخفاء الوقائع فى حينها.
المدرسة الرابعة أن هناك تجمعاً عالمياً دولياً من شركات الأدوية والأمصال واللقاحات الغربية التى زرعت الفيروس فى الصين وتعاونت مع قوى محلية فى عدة دول فى العالم لانتشار الفيروس الوبائى عالمياً، بحيث يصبح اللقاح شرطاً أساسياً مسبقاً لأى اندماج بشرى فى أى تجمع وضرورة لا بديل عنها للانتقال الداخلى أو السفر الدولى من نقطة إلى أخرى.
وقيل إن هذه المؤامرة تشترك فيها شركات تكنولوجيا، ومراكز أبحاث، وعلماء، وشركات أدوية، وسياسيون، وأنها تُعتبر أكبر مؤامرة كونية شريرة فى العصر الحديث.
وتأتى مدرسة أخيرة تدفع بنظرية أن مسألة إيجاد اللقاح اللازم هى أكذوبة وأن «العلماء الأشرار» يخفون عن البشرية أن تناول فيتامين «D» «جيم» هو الحل الثانى دون الحاجة للقاح إذا تم تناوله بكميات كافية لتقوية جهاز المناعة، وتلك هى النظرية التى يتبناها العالم البيولوجى «د. شيفا أيودراى».
وجاء أيضاً فى تقارير أخرى أن هناك اختراعاً ممنوعاً من الإنتاج هو فيتامين «باء 17» وهو فيتامين لم يتم نضجه حتى الآن يؤدى الغرض فى منع الإصابة بالفيروسات الخبيثة بدءاً من السرطان إلى الكورونا.
أما النظريات الأمنية فإن القناة رقم 12 الإسرائيلية قد أذاعت تقريراً يؤكد أن وكالة الاستخبارات الأمريكية حذرت إسرائيل والناتو من تفشى فيروس غير معروف فى مدينة «ووهان» الصينية فى شهر نوفمبر الماضى، وأكرر نوفمبر الماضى.
وتحدّث التقرير عن تفشى وباء فى ووهان فى الأسبوع الثانى من نوفمبر 2019، وأنها تتابع عن قرب تطورات تفشى هذا الوباء.
ورغم وجود مثل هذا التقرير فإن ترامب وكبار إدارته لم يتخذوا ما يلزم من إجراءات احترازية وتجاهلوا الأمر.
وهذا الخطأ القاتل يشبه تماماً تقرير وكالة الاستخبارات الأمريكية الذى تقدم به جيمس تنيت رئيس الجهاز الأسبق للرئيس جورج دبليو بوش فى أغسطس 2001 أى قبل أحداث سبتمبر بـ55 يوماً يحذر من عمل إرهابى مدمر محتمل أن تُستخدم فيه الطائرات المدنية كسلاح قتل داخل المدن الأمريكية.
ووسط انشغال العالم لمعرفة الإجابة على من فعلها؟ ولماذا؟ يأتى فريق آخر ينشغل بمتى وكيف نتخلص من هذا الوباء وآثاره؟
ووسط هذا الجنون، والضغوط النفسية، التى بسببها تم اعتقال أكثر من ثلثى البشرية فى منازلهم بشكل غير مسبوق، فإن الأمر المؤكد أن فاتورة الخسائر اللانهائية قد تم البدء فى تدوين أرقامها، ولكن لا يوجد مخلوق واحد على كوكب الأرض قادر على معرفة رقمها النهائى.