على مقهى فى مواجهة البحر فى إحدى المدن الساحلية الجميلة فى عالمنا العربى جلست أتأمل زرقة أمواج البحر وأرتشف الشاى المنعنع، اقتحم علىّ عزلتى مجموعة من الشباب، وقبل أن أنطق بكلمة وجدتهم يجلسون أنفسهم، ودار بيننا الحوار التالى:
شاب: يا أستاذ سامحنا أننا نقتحم عزلتك ولكن نعدك أننا لن نطيل عليك.
العبد لله: أهلاً. أنا تحت أمركم، ماذا يمكن أفعل لكم؟
شاب: لدينا أسئلة محيرة للغاية نبحث لها عن إجابات شافية.
العبد لله: فى هذا الزمن هناك كل يوم عشرات الأسئلة، بعضها بلا إجابة، والبعض الآخر هناك «شبه إجابات».
شابة متسائلة: ماذا تقصد بـ«شبه إجابة»؟
العبد لله (ضاحكاً): يا ابنتى هناك سؤال وهناك شبه سؤال، وهناك إجابة وهناك -أيضاً- شبه إجابة، وما بين هذا وذاك تضيع الحقيقة، وبالتالى يسقط الحق!
الشابة: كيف هذا؟ هل تشرح لنا؟
العبد لله: هناك ما يبدو للوهلة الأولى أنه «سؤال برىء»، بينما هو «كمين شرير» يريد اصطياد إجابة من الآخر، وهناك ما يبدو -للوهلة الأولى- أنه «إجابة» عن سؤال لكنه فى حقيقة الأمر هروب ومراوغة أو نصف أو ربع حقيقة تبدو وكأنها إجابة لكنها أبعد ما تكون عن الواقع أو الحقيقة.
شاب (منفعلاً): نحن فى عالم من الكذب.
العبد لله: أكذب إذا قلت لك إننا نعيش فى عالم الحقيقة!
شاب: وماذا يحدث إذا كانت حياتنا كذباً فى كذب؟
العبد لله: يصبح الأمس أكذوبة تاريخية، ويصبح الحاضر بلا مصداقية، ويصبح الغد مخيفاً مقلقاً! تذكروا قول كاتبنا الكبير نجيب محفوظ: «لا يوجد فى الصحف أى خبر حقيقى إلا أخبار الوفيات».
الشاب: إذاً من نصدق فى هذا الزمن العربى الردىء: الحاكم أم المحكوم، الحكومة أم المعارضة، الداخل أم الخارج، البيانات الرسمية أم ثرثرة الإنترنت ومواقع التواصل؟!
العبد لله: «استفتِ قلبك ولو أفتوك»، وابحث عن المعلومة الحقيقية من مصدرها، واسمع كل الآراء والاتجاهات ولا تكتفى -أبداً- بمصدر واحد، ولا تشارك فى جريمة الاغتيال المعنوى بـ«تشيير» تغريدة كاذبة.
الشابة: وما هى أهم نصيحة تقدمها لنا فى عملية البحث عن الحقيقة؟
العبد لله: إنها نصيحة بسيطة للغاية: «لا تقبل على غيرك ما لا ترضاه لنفسك».
انتهى الشاى، وانتهى الحوار، ولم تنته التساؤلات.