توقيت القاهرة المحلي 10:38:38 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أبومازن: «الصبر الاستراتيجى»

  مصر اليوم -

أبومازن «الصبر الاستراتيجى»

بقلم: عماد الدين أديب

أعرف الرئيس محمود عباس منذ أكثر من 40 سنة، وأتابع بشكل شبه منتظم ما يقول وما يفعل، ونما بيننا على مدار هذه السنين محبة واحترام واتفاق واختلاف فى حدود العلاقة الإنسانية المتحضرة.

وعُرف عن أبومازن أنه «براجماتى» «واقعى» فى زمن الرومانسية الثورية فى الوقت الذى كانت تسود فيه عبارات «الكفاح الثورى»، و«تحرير الوطن الفلسطينى من البحر إلى النهر»، وفى زمن غلبت فيه الأيديولوجيا على المنطق، وسادت فيه لغة الخطابة على حقائق الواقع. وفى المجلس الوطنى الفلسطينى بالجزائر شاهدت «أبومازن» يفجر -وحده دون سواه- قنبلة الصدمة عقب الخروج الفلسطينى من لبنان بضرورة وجود استراتيجية سلام فلسطينية ويتحدث عن ضرورة منطق الحوار والتفاوض مع «العدو» الإسرائيلى.

ومنذ هذا التاريخ وملف السلام والتفاوض والبحث عن تسوية نهائية للصراع الفلسطينى- الإسرائيلى هو الشغل الشاغل للرجل.

وفى «أوسلو» لـ1993 قاد أبومازن المفاوضات الوحيدة التى أدت لتوقيع وتعهد جزئى، وهى مفاوضات «أوسلو»، دون رعاية أمريكية، وبعيداً عن الأصوات الفلسطينية التى تؤمن بمنطق «كل شىء أو لا شىء».

«أبومازن» يؤمن بمدرسة تقول: إذا لم تهيأ لك الظروف التاريخية وعناصر القوة المحلية والإقليمية والدولية للحصول على «كل» ما تريد، فعليك -عملياً- التفاوض حول «بعض» ما تريد حتى تأتى الفرصة لتكون فى مركز يجعلك تحصل على «كل» ما تريد.

مدرسة أبومازن موغلة فى الواقعية، موغلة فى «اللاشعار» إلى حد مخالف للموروث السياسى الفلسطينى الذى يحمل بداخله أكبر قاموس من المصطلحات النضالية والثورية.

يؤمن أبومازن بأنه لا حل عسكرياً للصراع مع إسرائيل، وأن أكبر خطأ حدث للانتفاضة الفلسطينية هو عسكرتها، وأن أفضل حصار لإسرائيل هو حصار السلام، وأن المستقبل سيكون بالضرورة للشعب الفلسطينى الذى يحمل بداخله قنبلة تكاثر سكانى سوف تتفوق على قلة المواليد الإسرائيلية.

ذاكرة أبومازن حاضرة للغاية، رغم صراعاته مع المرض وتقدم العمر فإنه يمتلك عقلية مدربة وذاكرة نشطة لكونه يكاد يكون السياسى العربى الوحيد الذى يدون يومياً فى مفكرته الأحداث بالتفاصيل والأرقام.

ابن أبومازن، الأخ «ياسر»، يصف والده بأنه «رجل لا يعرف اليأس ولديه صبر لا ينفد».

هذا الصبر الاستراتيجى الذى لا ينفد هو الذى أعطاه القدرة الاستثنائية على تحمل 3 حكومات لبنيامين نتنياهو وأخرى لإيهود أولمرت وتحمّل الانقسام مع «حماس»، والضغوط الاقتصادية الإسرائيلية، وجنون إدارة ترامب، وآثار الوضع الإقليمى عليه.

هذا الصبر الاستراتيجى جعله يتحمل اتهاماً مزدوجاً يندر أن يتم إلقاؤه على رجل واحد، فهو متهم من إسرائيل بالمراوغة والرفض للسلام على أساس أنه نصف شريك، ومتهم فى ذات الوقت من «حماس» بأنه يراوغ فى النضال من أجل تحقيق ثوابت الشعب الفلسطينى.

ما بين إسرائيل وحماس يقع فكر أبومازن، فالإسرائيلى يتهمه بالجمود والتشدد والحمساوى يتهمه بالتنازل والتفريط!

ما بين ثورية «فتح» القديمة وبراجماتية بعض أعضائها يقف الرجل.

وما بين نصف شريك، ونصف الضفة، ونصف السلطة يعانى الرجل.

إنها حالة نادرة فى التاريخ لقائد ثورة غير قادر على الحرب، ورئيس سلطة غير قادر على التسوية.

ها هو الرجل وهو يخطو نحو عامه الـ85 (مواليد 15 نوفمبر 1935)، يتحمل ما لا يطيق بشر منذ يناير 2005 حتى الآن.

وها هو الرجل يتحرك من جامعة الدول للتعاون الإسلامى، للاتحاد الفلسطينى ليصل إلى مجلس الأمن الدولى ليواجه تداعيات صفقة القرن.

ها هو الرجل يصبح ضحية فكرة السلام فى زمن لم يعد المطروح فيه هو وثيقة تسوية سلام ولكن وثيقة إذعان الاستسلام.

من هنا كان خطابه الأخير فى الجامعة العربية خلاصة مرارات السنين، وعصارة الصبر الاستراتيجى وإعلان نهاية مرحلة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أبومازن «الصبر الاستراتيجى» أبومازن «الصبر الاستراتيجى»



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon