هذا الأسبوع هو أسبوع حاسم جداً فى تاريخ العرب والمنطقة، المشترك الأساسى فيه هو أن الجيش فى جميع الحالات هو العنصر الحاسم والمرجِّح فى تقرير الأمور.
ولدى النخبة المثقفة نوع من الحساسية المفرطة للغاية إذا تم الحديث عن الدور الرئيسى للجيوش فى تقرير الحاضر والمستقبل، ويتم اتهام من يفتح هذا الملف بأنه «خادم للعسكر» و«عميل للمؤسسة العسكرية»، وقائمة من السباب والشتائم التى تبدأ ولا تنتهى.
لكن المحلل السياسى ليس مثل الطاهى الذى يطبخ ما يريده الزبون حسب الطلب، وإنما مثله مثل الطبيب الذى يشخص الحالة بناء على نتائج الأشعة أو التحاليل الطبية التى يراها أمامه، بصرف النظر عن مشاعره، سلباً كانت أو إيجاباً.
ولا يمكن لأحد أن يزايد على رأى أحد أهم رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الرئيس رقم 34 فى تاريخها، الرئيس دوايت أيزنهاور، الذى حكم البلاد من 1953 إلى 1961، والذى جاء بتصويت شعبى كاسح لكونه بطلاً قومياً شغل منصب رئاسة الأركان، وشغل أيضاً منصب الحاكم العسكرى لمنطقة الاحتلال الأمريكى فى ألمانيا، وقبلها كان رئيساً لجامعة كولومبيا.
قال الرئيس، رئيس الأركان، الجنرال، مدير الجامعة، البطل القومى أيزنهاور يصف دور الجيش فى الحياة العامة: «الجيش هو الرقيب».
هذه العبارة الخالدة قالها زعيم دولة، بل أكبر دولة مدنية ديمقراطية فى العالم، ومعنى العبارة عميق وله دلالة بالغة، لأنه معنى يتعدى الدور التقليدى للجيوش، وهو الحماية للحدود وتأمين البلاد والعباد.
الجيش -أى جيش- إذا كان جيشاً وطنياً من الشعب ولخدمة الشعب، وإذا لم يكن جيشاً طائفياً أو مذهبياً أو يعبر عن مصالح قبلية أو مناطقية أو فئوية، فهو صاحب دور يتعدى حدود ثكنته العسكرية.
تزداد أهمية دور الجيوش فى الدول التى تكون فيها المؤسسات السياسية هشة، والأحزاب غير ناجحة، والنخبة المثقفة غير قائدة ومؤثرة فى توجيه الرأى العام.
هنا يكون دور الجيش هو «الرقيب»، كما قال أيزنهاور، لحماية الدستور والنظام العام والأمن الوطنى، بالإضافة لدوره التقليدى فى حماية الأمن القومى.
هذا الأسبوع يضعنا القدر أمام حقيقة، نحبها أو نكرهها، معها أو ضدها، وهى أن الجيش هو العنصر المرجِّح والحاسم فى حاضر ومستقبل 6 دول على الأقل فى عالمنا العربى.
هذا الأسبوع سوف يقرر الجيش فى السودان هل يقف مع الرئيس المشير عمر البشير أم يقف مع ثورة الشارع والنقابات والمعارضة؟
هذا الأسبوع سوف يقرر الجيش فى الجزائر، بعدما وقف مع تفعيل المادة 102 من الدستور لإعلان شغور منصب الرئيس والانحياز مع الشارع والوقوف ضد «عصابة» النظام السابق، إذا ما كان سيستمر فى تنفيذ قائمة مطالب الشارع والمعارضة، أم سيقف عند هذا السقف المطالبى.
هذا الأسبوع سوف يقرر ائتلاف 3 جنرالات فى إسرائيل بقائمة ائتلاف يمين ويسار الوسط إذا ما كانوا سيهزمون ائتلاف اليمين الدينى مع حزب الليكود لتقرير مستقبل إسرائيل والمنطقة والسلام الهش؟
فى ليبيا سوف يقرر صراع جيش حفتر، الذى يمثل جنود وضباط جيش وطنى علمانى، مستقبل الصراع مع جيش مكون من ميليشيات إسلامية مدعومة من تركيا وقطر.
فى هذا الأسبوع سوف يقرر الحرس الثورى الإيرانى، الذى يمثل الذراع العسكرية الأمنية للنظام فى إيران، هل سوف يستجيب للضغط الأمريكى الهائل عليه من خلال العقوبات الدولية، أم سيبدأ حرباً مدمرة ضد الوجود الأمريكى فى المنطقة كلها.
فى هذا الأسبوع سوف يحسم الجيش الوطنى اليمنى قبيل رمضان تأمين مناطق السيطرة فى جنوب اليمن وسواحل البحر الأحمر.
الأرقام وحدها كفيلة بالدرجة الأولى لتأكيد أهمية الجيوش فى واقعنا العربى:
1- فى اليمن يبلغ تعداد الجيش 70 ألفاً، وأكثر من 75 ألفاً من الاحتياط، وينفق قرابة مليارَى دولار سنوياً، وترتيبه هو الجيش رقم 63 عالمياً.
2- فى الجزائر يبلغ تعداد الجيش 512 ألف جندى وضابط، ولديه 400 ألف فى قائمة الاحتياط، وينفق 11 مليار دولار سنوياً، وترتيبه هو الـ25 عالمياً.
3- فى سوريا، يبلغ تعداد الجيش 305 آلاف، و450 ألفاً فى الاحتياط، وينفق سنوياً 2٫5 مليار دولار، ويبلغ ترتيبه الـ27 عالمياً.
4- وفى العراق يبلغ عدد قوات الجيش 275 ألفاً، ولديه 528 ألفاً فى الاحتياط، وينفق 7 مليارات سنوياً، وترتيبه 59 عالمياً.
ويلعب الجيش المصرى دور الجيش الأكبر عربياً، ويحتل ترتيب التاسع عالمياً، بينما يمثل الجيش السعودى سابع قوة بحرية فى العالم، ويحتل ترتيب الجيش رقم 25 عالمياً والثانى عربياً.
هذه هى الجيوش الأساسية فى العالم العربى، تقف فى وجه عواصف متعددة، بعضها مواجهة عداء إقليمى، أو مواجهة تهديد إرهابى داخلى، أو مواجهة محاولات العبث بأقدار البلاد والعباد.
هنا، وفى ظل ذلك كله، ونتيجة هذه التفاعلات الضاغطة فى الداخل وعلى الحدود وفى المنطقة وفى العالم، يصبح دور الجيوش «الحامى الحارس»، أو «المدافع المقاتل»، أو «المسيطر المتدخل»، وفى كل الحالات، ومع اختلاف كل الظروف، فإنه، كما وصفه الجنرال أيزنهاور، هو «الرقيب».