خطاب الرئيس اللبنانى ميشيل عون مساء أمس الأول، حوَّل أزمة البلاد من أزمة حكومة إلى أزمة حكم.
جاء خطابه لتخفيف الأضرار، لكنه أدى إلى رفع منسوب الضرر فى إدارة الأزمة.
تابعه الملايين آملين أن ينحاز لمطالبهم، فجاءت رسائله داعمة لصهره الوزير جبران باسيل، ولحزبه (التيار العونى)، ولحلفائه (حزب الله).
وبدلاً من أن تكون الكلمة «موحدة» و«جامعة» ومانعة لحالة الانقسام العمودى فى الرأى العام، أدت إلى زيادة حالة الغضب والاحتجاج وأصبحت تنذر بتحول التظاهرات السلمية التى اندلعت فى كل مدن لبنان، من العاصمة إلى الجبل ومن الجنوب إلى الشمال، عابرة للمناطق والطوائف والأحزاب والميليشيات.
أخطأ الرئيس اللبنانى 3 مرات خلال تلك الأزمة:
الأولى حينما ألقى خطاباً سياسياً فى مناصريه من التيار العونى مخالفاً شعاره المشهور أنه «والد كل اللبنانيين»، فأصبح فى تلك الحالة والداً حنوناً لحزبه فقط.
هذا الخطأ الجوهرى يذكرنا بخطأ الرئيس المصرى الأسبق الدكتور محمد مرسى -رحمه الله- حينما ألقى خطاباً أمام مناصريه من جماعة الإخوان خاصة حينما خاطبهم بـ«أهلى وعشيرتى»، مخاصماً بذلك بقية الشعب المصرى بكل أطيافه.
الخطأ الثانى: حينما مارس ضغوطاً شديدة على رئيس الحكومة سعد الحريرى بعدم الاستقالة ثم أصر عليه أن يشكل أولاً حكومة سياسية ثم عاد يصر عليه الآن بتشكيل حكومة «تكنوسياسية».
الخطأ الثالث: حينما تأخر حتى الآن فى الإسراع بالقيام بدوره الدستورى وهو الدعوة إلى مشاورات نيابية ملزمة لتشكيل وتأليف حكومة جديدة تستجيب لمطالب الجماهير. حوار الرئيس أصر فى مفرداته ورسائله على أن الرجل يقف فى خندق مضاد تماماً لجماهير المتظاهرين.
حوار أضر بالرئيس شخصياً وسياسياً لأنه وضع نفسه فى مواجهة غضب الناس، ورفع وتيرة الغضب لديهم، وأدى إلى تحريك كثير من القوى اللبنانية الصامتة التى كانت تكتفى بموقع المتابع للأحداث أمام شاشات التليفزيون وجعلها تنزل بشكل فورى وتلقائى إلى الشوارع فور انتهاء مقابلته التليفزيونية.
سعد الحريرى اختار الانحياز للناس عقب 13 يوماً من التظاهرات.
د. سمير جعجع سحب وزراءه من الحكومة.
وليد جنبلاط أعلن انضمامه للجماهير.
نبيه برى البارع المخضرم فى لعبة التوازنات أسرع بتقديم مشروعات القوانين المجمدة إلى اللجان البرلمانية لإطفاء جزء من الغضب الجماهيرى.
السيد حسن نصرالله، تدرج فى مواقفه من الثورة حتى وصل فى خطابه الرابع خلال أقل من شهر داعياً بقوة لمحاربة الفساد والانحياز لمشاعر الجماهير رغم حرصه الشديد على وجود حكومة «سيادية» تحمى بندقية حزب الله.
وحده الرئيس عون خرج برسائل متصادمة مع شوارع المحتجين الغاضبين، بل زاد من ثورتهم وضاعف من أعدادهم.
الشارع المسيحى انقسم ضده، والكنيسة المارونية لا تغطيه سياسياً، بل دعت صراحة فى بيانها الأخير إلى ضرورة الاستجابة للمطالب المستحقة للمتظاهرين لأن الرجل اختار صراحة «حكومة مواجهة».
وأى سياسى مخضرم، وأى مثقف حقيقى، وأى قارئ للتاريخ يعرف جيداً، ويدرك تماماً أن محاولة كسر رغبات وآمال الناس، ومحاولة تجاهل أوجاع وصرخات الناس، وأن أى محاولة لإنكار وجودها أو الالتفاف عليها تؤدى بصاحبها إلى نهاية تراجيدية محتومة طال الزمن أو قصر.
الحكومة التى يريدها الرئيس عون مناقضة تماماً لتلك التى يريدها المتظاهرون.
والحكم، الذى يسعى الرئيس إلى الاستمرار فى إداراته -إن كُتب له الاستمرار- معاكس تماماً لنظام الحكم الذى ينادى به الشارع.
وهكذا اختار الرئيس بوعى أو بدون، بإرادة أو بدون، باختياره أم باختيار عائلته، برؤية حزبه أم حزب الله، بقرار داخلى أم قرار إقليمى، أن يقف فى خندق مواجهة مع قوة أساسية فى شوارع كل المدن اللبنانية قررت ألا تعود لبيوتها إلا بعد أن تسقط العهد، والنظام كله، وتنتهى تماماً من الطبقة السياسية الفاسدة المستبدة التى مصت دماءهم منذ عام 1943.
ذلك كله لا يؤدى إلا إلى صدام فى الإرادات مما يؤدى إلى صدام فى الشوارع، يفتح الباب أمام مجهول وفوضى أو تدخل «قوى الضرورة» وهى قوى الجيش اللبنانى.
السؤال الأعظم الذى يجب أن يبحث الرئيس عون عن إجابة له: ماذا يفيد الرئيس لو كسب الحزب والصهر وخسر الشارع والوطن؟!
مع الاعتذار والاحترام لعبارة السيد المسيح عليه السلام.
وقد يهمك أيضًا:
عند العرب: الشعب والسلطة يسقطان بعضهما!
طلبة المدارس يحكمون المستقبل