يطرح الجدل الذى وصل مرحلة الصراع فى تونس الآن سؤالاً جوهرياً: أيهما له الأولوية، الالتزام بالدولة الوطنية أم بالحزب الدينى؟ الشعب أم الجماعة؟ المؤسسات الدستورية أم الحزب؟
وما يخوضه الرئيس التونسى الشجاع «قيس سعيد» هذه الأيام مع حزب النهضة، المعبر عن فكر وسلوك وارتباطات التنظيم الدولى لجماعة الإخوان المسلمين، يدعو إلى المتابعة والتحليل واستخلاص العبر.
هذا الأمر يدعو أيضاً إلى القلق الإقليمى من قبَل قوى الاعتدال العربى حول مستقبل دول شمال أفريقيا «ليبيا- تونس- المغرب- الجزائر» إزاء نشاطات قوى الإسلام السياسى العلنية، وارتباطاتها الإقليمية بقطر وتركيا، وبالتنظيم الدولى لجماعة الإخوان الذى وُجهت له اتهامات رسمية تونسية بتلقى أموال أجنبية لتأسيس دولة الخلافة.
ويزداد القلق أكثر وأكثر لو أضفنا نشاط الإرهاب التكفيرى فى تشاد ومالى ونيجيريا وارتباطه بشبكة عضوية مراكزها تدار من داعش، والقاعدة، والإخوان.
ما يحدث فى تونس على السطح يبدو جدلاً ديمقراطياً، لكنه «مخيف ومقلق للغاية» إذا عرفنا الحقائق التالية.
1- أن تدفق المال السياسى عبر قنوات غير شرعية لقوى الإسلام السياسى ينذر بمخاطر استخدامه فى مشروعات مشبوهة.
2- تتحدث تقارير أمنية عن وجود كميات تفوق الخيال من السلاح المهرب غير الشرعى الذى تم تهريبه عبر الحدود الليبية إلى قوى الإرهاب التكفيرى، بهدف إسقاط مشروع الجمهورية التونسية وتحويلها إلى ولاية إسلامية!
3- استخدام قوى حركة النهضة والعناصر المتحالفة معها فى البرلمان التونسى الشرعية البرلمانية لدفع سياسات تونس الإقليمية -بالقوة- وبتجاوز الدستور نحو التعاون مع تركيا وقطر وحركة الوفاق الليبية وكل القوى المتحالفة معهم.
باختصار، إنها محاولة لاختطاف الدولة الوطنية وسرقة مسارها الوطنى نحو اختيارات مخيفة.
علاقة حركة النهضة بالإخوان وبالميلشيات علاقة عضوية قوية تعلو ارتباطها بشرعية مؤسسات الدولة ونظامها الجمهورى.
ولا يخفى عن الجميع أن النسبة الغالبة فى ترتيب قوى الميليشيات الأجنبية فى ليبيا هى من المقاتلين التونسيين.
وتقول التقارير إنه حتى استقدام تركيا للميليشيات الإرهابية السورية إلى ليبيا كانت الميليشيات التونسية هى الأولى.
وتقاتل الآن الميليشيات التونسية جنباً إلى جنب مع قوات الوفاق والميليشيات السورية والتشادية بإدارة وتوجيه خبراء قتال أتراك ودعم مالى قطرى.
وسلاح هذه الميليشيات لا يُستخدم فى ليبيا فقط، ولكن أدى إلى عمليات إرهابية داخل البلاد، وأدى إلى مصادمات مع الجيش التونسى فى جنوب البلاد.
ذلك كله لا يخفى عن الرئيس قيس سعيد.
كان الرئيس قيس سعيد واضحاً فى خطابه فى افتتاح البرلمان يوم 11 مايو الماضى، حينما قال صراحة: إن أكبر مرض يصيب الإنسان حينما يعتقد أنه يمتلك الحقيقة، الحقيقة عند الشعب، الحقيقة حينما يستطيع الشعب التعبير عن إرادته بكل حرية ويقدر على سحب الوكالة ممن خان الأمانة.
رسالة قيس سعيد واضحة لا تحتمل التأويل، وهى تقول ببساطة إننا أمام مواجهة خطيرة مع قوى وصلت بشكل ديمقراطى وخانت الأمانة!
ورث الرئيس قيس سعيد تبخر نفوذ حركة نداء تونس عقب وفاة الرئيس القوى الباجى قائد السبسى، ومحاولة حزب النهضة اختطاف إرادة البرلمان.
ويدرك الرئيس التونسى الآن أن معركته مع راشد الغنوشى، الذى يرأس البرلمان، هى معركة تكسير عظام، وأنها لن تنتهى إلا بفوز أحدهما وهزيمة الآخر. من هنا يمكن فهم سعى عبير موسى لتصنيف جماعة الإخوان فى تونس حركة إرهابية.
يراهن الغنوشى على سيطرة حليفه رجب طيب أردوغان على ليبيا، بحسن العلاقة مع تيار الإخوان «الموجودين» فى السلطة بالمغرب، والقوى الصاعدة العائدة فى الجزائر، مدعومين جميعاً بتمويل قطرى.
هذا الرهان جعله يدخل فى معركة علنية قائمة على تحدى إرادة الرئيس التونسى والمعارضة التى تمثلها النائبة الشجاعة السيدة عبير موسى التى تدخل فى معركة مفتوحة مع الغنوشى والنهضة.
هذه المعركة يراد لها أن تنتقل من البرلمان إلى الشارع، ومن الشارع إلى استخدام المال، والسلاح، ودعم أردوغان الآتى من ليبيا لاختطاف تونس بالقوة.