من أكثر زعامات العالم التى تفهمت شخصية ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان، الرئيس الروسى فلاديمير بوتين الذى أعجب بطبيعة الشخصية «العملية البراجماتية المباشرة» للرجل.
قال «بوتين» عن الأمير:
«إنه شخص ملىء بالحيوية ويتمتع بنشاط غير مسبوق، ولديه معرفة تامة بكيفية تحقيق أهدافه التى سيعبر بها بالمملكة لمصاف الدول الأكثر تقدماً».
وأضاف «بوتين»: «إننى أعتبر الأمير محمد بن سلمان شريكاً يوثق به ويفى دائماً بتعهداته».
كلام «بوتين» هو مفتاح لفهم ولى العهد السعودى الذى يخوض «معركة حقيقية» لتحويل السعودية التقليدية إلى «السعودية الجديدة» بكل ما يعنى ذلك من تحديات وتكاليف ومواجهات.
ويرى الأمير محمد بن سلمان أن «السعودية الطبيعية» أى المجتمع السعودى الطبيعى الذى كان يعيش أسلوب حياة مشابهاً لجميع المجتمعات حدثت له عملية انتقال سلبية عام 1979 كرد فعل لما حدث فى إيران، وتداعيات ذلك على الداخل السعودى لمواجهة التطرف المذهبى الإيرانى.
فى معركته للتحديث يراهن ولى العهد السعودى على 4 أمور:
1- مباركة خادم الحرمين الشريفين لكل توجهات وخطط التحديث.
2- وجود خطة تفصيلية طموحة وهى خطة الرؤية التى تتم على 3 مراحل 2020، و2025، حتى تنتهى إلى 2030، وذلك من خلال برامج تنفيذية مفصلة بالإجراءات والدراسات والتوقيتات الزمنية، بدأت ببرنامجين أساسيين هما «التحول الوطنى» و«التوازن المالى».
3- خطة -خارج الصندوق- تعتمد على تدعيم صناعة المحتوى المحلى، حيث إن المملكة تستهلك ما يساوى 230 ملياراً بضائع وصناعات أجنبية ثلثها تقريباً منتجات صناعات عسكرية سوف يتم تصنيعها فى الداخل.
ومن الأفكار غير التقليدية تحويل الإنفاق الضخم لملايين السعوديين السنوى فى السفر والترفيه خارج البلاد، إلى الداخل.
وأيضاً يسعى ولى العهد إلى الاستفادة من ثروة معدنية مدفونة فى باطن الأراضى تزيد على تريليون و200 ألف مليار، سوف يتم تدبير موارد لها من خصخصة شركات عملاقة مثل ما حدث مع طرح 2٪ من شركة «أرامكو».
4- الداعم الشعبى الأساسى لتوجهات حكم الملك سلمان وولى عهده هما تركيبة الشباب الذى يبلغ 38٪ من السكان ما بين 15 و35 سنة، والمرأة التى حصلت على إجراءات وامتيازات تمكين اجتماعى غير مسبوقة بدءاً من قيادة السيارات إلى حرية التنقل فى الداخل والخارج، إلى اقتحام مجالات العمل المختلفة، إلى الحريات العامة والمساواة فى كل الحقوق.
أراد الحكم أيضاً أن يعطى شعوراً بأن «السعودية الجديدة» تقوم على مبدأ أنه لا أحد فوق سلطة القانون، وأن الحكم ضد أى مفسد أو متجاوز فى المال العام حتى لو كان من العائلة أو نخبة المجتمع.
من هنا كانت تجربة ما يعرف بـ«الريتز كارلتون» التى يجب الوقوف أمامها بالتحليل.
من هنا أيضاً يمكن فهم رسالة ولى العهد السعودى التى أطلقها علناً: «لن ينجو أحد دخل فى فساد مهما كان».
وقد لا يعرف البعض أن ملفات الريتز كارلتون بدأ الإعداد لها منذ أن كان الأمير محمد ولياً لولى العهد أى فى العام 2016 واستمر إعداد الملفات عامين لمائتى شخصية بدقة وسرية شديدة لم يسرب منها حرف أو معلومة واحدة.
فى خلال التحقيق أو التفاوض مع الـ200 شخصية، تعاون 94٪ منهم فى سداد ما اعترفوا بأنه تجاوز مالى وقاموا بالسداد، وتمت تبرئة واحد فى المائة منهم، واحتكم 5٪ منهم إلى القضاء.
وتم تقدير الأموال التى تمت استعادتها إلى خزانة الدولة سواء سائلة أو ممتلكات بمائة مليار دولار أمريكى.
ويتحدث ولى العهد بشفافية حول ما يملكه شخصياً لذلك يقول «أنا واحد من العائلة المالكة، ولدىّ ما أملك، وقد اتخذت قراراً وهو أن أهب 51٪ مما أملك لأعمال ومشروعات الخير لتطوير المجتمع وتحسين أحوال الناس، وأتصرف فى بقية الـ49٪ بالشكل المناسب لى ولأسرتى».
من هنا يمكن فهم علامة أساسية فى هذا العهد السعودى، وهى سمة المواجهة والاهتمام الجرىء بملفات كانت من المحرمات الخطرة، ومن الخطوط الحمراء التى يخشى دائماً الاقتراب منها مثل:
1- تمكين المرأة.
2- الترفيه.
3- خصخصة الاقتصاد.
4- طرح نسبة من أرامكو.
5- المواجهة المباشرة للتهديد اليمنى المدعوم إيرانياً.
6- طرح الفكر الدينى الوسطى فى مواجهة التشدد والتزمت.
7- فتح البلاد أمام الاستثمار الأجنبى.
8- السماح لـ56 جنسية بزيارة البلاد بتأشيرة دخول فى المطار وأيضاً لحاملى تأشيرة «شينجن» الأوروبية.
حدث ذلك كله ولم تسقط السماء على الأرض!
ومؤخراً لم تهتز يد الحكم والحكومة فى اتخاذ تدابير حاسمة ووقائية عند ظهور وباء كورونا عالمياً بالمنع المؤقت للطواف والازدحام فى الحرمين الشريفين، وتقييد زيارات جنسيات الدول الأكثر إصابة بالفيروس، ومنع تجمعات المواطنين والزوار فى مباريات كرة القدم أو الاحتفالات العامة، وتعطيل الدراسة والأماكن الحكومية الجماهيرية.
إنها اليد غير المرتعشة، التى تتحدى المعتاد والتقليدى وما كان يمثل خطوطاً حمراء.
هنا يبرز السؤال الكبير والجوهرى وهو قدرة المجتمع على القبول والتكيف فى فترة محدودة لتحولات جذرية وكبرى غير مسبوقة منذ العام 1979 أى منذ 41 عاماً؟ ذلك كله فى فترة زمنية قصيرة للغاية؟
هنا لا بد من معرفة هل الصعوبة فى تواؤم وتكيف البعض مع التوجه أم مع سرعة التغيير نفسه؟ أم أنه مع التوجه ولكن لديه ملاحظات فى التفاصيل؟
المتابع الدقيق للحياة اليومية والمجالس وحركة المجتمع السعودى، يلاحظ أن كل ما كان يعتقد أنه سوف يخلق مائة ألف إشكالية فى المجتمع مر بيسر وسلاسة وقبول مجتمعى بالشكل الغالب والأعم.
ذلك يثبت أن رهان الملك وولى عهده على مشروع السعودية الجديدة كان كتوجه عام متسقاً ومقبولاً من معظم قطاعات المجتمع الذى كان ينتظر ذلك منذ عقود.
هؤلاء، وهذه القوى هى الداعمة لهذا العهد الذى ترى أنه يحقق مصالحها وطموحاتها.
هل ما سبق يعنى أن الحياة وردية على كوكب السعودية؟
الإجابة بالتأكيد «لا»، هناك فى السعودية اليوم، مثلها مثل كل مجتمع من الصين إلى اليابان ومن الولايات المتحدة إلى الهند ومن سنغافورة إلى فنلندا تحديات وملفات صعبة ومعقدة مثل:
1- فيروس كورونا فى بلد يعيش فيه ملايين الوافدين ويزوره سنوياً الملايين لزيارة الحرمين الشريفين لأداء مناسك العمرة وفريضة الحج.
2- انخفاض سعر برميل النفط نتيجة انخفاض الطلب عليه بسبب فيروس كورونا، والركود الصناعى والتجارى فى اقتصاديات العالم مما أدى إلى نزوله من 68 إلى 61 إلى 58 إلى 42 وأخيراً 35 دولاراً للبرميل.
3- التهديد الخارجى من إيران وتركيا واليمن وقطر وأدواتها فى المنطقة، وهو تهديد وجودى يتعين مواجهته وعدم التهاون فيه.
4- ضعف القدرة على التسويق السياسى لأفكار وطموحات وحقيقة التغيير فى السعودية مما يؤثر على نجاح المشروعات ويخلق حالة من الاضطراب والبلبلة والاغتيال المعنوى للأشخاص والقرارات وسمعة البلاد.
هنا نأتى إلى السؤال الكبير: هل قيادة مركبة السعودية الجديدة هى فى الاتجاه الصحيح أم أن التحدى ليس فى التوجه ولكن فى بعض التفاصيل ومقدار السرعة؟ هل المسألة هى التوجه أم تفاصيله؟
يرد على هذا السؤال مسئول سعودى مخضرم عمل مع 4 ملوك سابقين: ليس من العدل أن تسأل بإلحاح من يقود سيارة وهو ما زال فى بداية الطريق لماذا، لماذا، لماذا لم تصل بعد؟!».