توقيت القاهرة المحلي 09:03:43 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البابا و«ترامب»: صراع المؤمن والبراجماتى!

  مصر اليوم -

البابا و«ترامب» صراع المؤمن والبراجماتى

بقلم: عماد الدين أديب

أصعب أنواع الساسة معاناة منذ بدء الخليقة هو «السياسى المؤمن بالله»!

السياسة كما سميت فى عهد أثينا القديمة هى «علم الرئاسة»، وهذا العمل يحتاج إلى قدر هائل من الحكمة، والدهاء، والمرونة، والمراوغة، والشدة، والعنف، بينما الإيمان جوهره ومركزه هو مخافة الله، ويتعين فيه على المؤمن أن يتبع مقام الإحسان، بمعنى «إذا كنت لا ترى الله، فهو يراك»، لذلك يضع السياسى المؤمن قيداً أخلاقياً فى كل ما يعمل.

الاستبداد سهل، الفساد مغرٍ، البطش متاح.

باختصار شديد، الظلم أسهل من العدل، والرحمة أصعب من البطش، والتسامح له متطلبات أقسى من الثأر والكيد.

إذا أردت أن تعرف الفارق الهائل والشاسع بين السياسى والمؤمن راجع خطابين بالأمس يعبران عن موقفين متناقضين فى الحياة: خطاب السياسى دونالد ترامب، وخطاب بابا روما، قداسة البابا فرنسيس.

«ترامب» سياسى، براجماتى، انتهازى، نفعى، يؤمن بالرأسمالية المتوحشة، المصلحة الذاتية عنده فوق كل شىء وأى شىء، «ترامب» يرى أنه -كما صرح- لو كان حجم خسائر «كورونا» فى الولايات المتحدة 200 ألف ما بين إصابة ووفاة فإن هذا رقم مقبول!

«ترامب» يرى أنه يتعين على كل إنسان أن يبنى نفسه بنفسه، وأن دولة الرعاية هى دولة فاشلة، وأن الفقير فقير لأنه غير كفء، وأن دعم الدولة مؤخراً بـ2 تريليون دولار هو لإنعاش الاقتصاد حتى لا تتأثر الأسواق المالية، فتفقد الشركات الكبرى قيمتها، فيتأثر كبار حملة الأسهم!

البابا فرنسيس، رجل طوباوى، نصير الفقراء والضعفاء، يضع حياة السيد المسيح عيسى ابن مريم، عليه السلام، نموذجاً يحتذى به فى كل فعل، وكل خطوة، وكل كلمة، وكل قرار.

البابا فرنسيس يؤمن مخلصاً أن الوباء امتحان «عسير وصعب» لمدى إيمان المؤمن بخالقه، وأن الخلاص الإنسانى يأتى بسمو النفس البشرية عن الحقد، والكراهية، والظلم، والقتل، وتجارة الحروب، أمس الأول، ولأول مرة منذ مائة عام، يقف بابا روما فى ذكرى عيد الفصح المجيد يقدم عظته فى بهو كنيسة.

دعا البابا فى هذه الكلمة الصادرة من قلب مؤمن، وعقل مستنير، وهذا نهج الرجل منذ أن تولى رئاسة الكنيسة وحصل على المقعد البابوى ليصبح البابا رقم 266 فى تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، إلى إشاعة المحبة والتسامح بين البشر تطبيقاً لقول المسيح عليه السلام: «أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم».

قال البابا فرنسيس الثالث فى عظته أمس الأول إنه «يصلّى لأجل هداية المستفيدين والمتاجرين باحتياجات الناس ومستغلى الآخرين فى ظل تفشى فيروس كورونا».

ودعا البابا إلى وقف إطلاق نار عالمى لكل من يحمل السلاح الآن، كما دعا إلى إيجاد حلول مبتكرة لمواجهة فيروس كورونا، كما دعا إلى إلغاء ديون الدول الأكثر فقراً كى تستطيع مواجهة الأزمة الحالية.

فى كلمته هذه استحق البابا فرنسيس وصف شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، الذى تجمعه محبة إنسانية مع بابا روما: «إن هذا الرجل يقدم نموذجاً رائعاً للتسامح الإنسانى والإيمان العميق»، نقيضان: «ترامب» والبابا، الأول موغل فى انتهازيته البراجماتية، والثانى عميق فى إيمانه ومبدئيته.

قوة «ترامب» فى منصبه، فى جيشه، فى مركز بلاده الاقتصادى، فى قوة الدولار، فى امتلاكه لقنبلة نووية، بينما قوة البابا فى روحانيته، فى إيمانه، فى أتباعه الذين يؤمنون برسالته وبدعوته.

أهم أساطير الحياة وأوهامها التى سقطت فى ابتلاء الكورونا: «أن الإنسان لا يساوى جناح بعوضة أمام قدر الله وقوة الطبيعة».

من الأوهام التى سقطت أن أغنى الأغنياء وأقوى الأقوياء من البشر لا يعنى شيئاً أمام ذرة من ذرات فيروس غامض خارج عن سيطرة العلم ومراكز الأبحاث وأقوى الحكومات وأعتى الجيوش، القوة، أى قوة، فى أى زمان وأى مكان، بلا إيمان هى وبال وهلاك على صاحبها.

والإيمان، بلا قوة يحكمها قيد أخلاقى، هو تعبير عن الضعف والاستسلام.

معادلة القوة التى تنطلق من مخافة الله هى طوق النجاة الوحيد، وأكرر الوحيد، للإنسان من بدء الخليقة حتى قيام الساعة، وإذا كان العدل هو «أساس الملك» فذلك مرده: «أن الله يسمع ويرى».


يظن حبيبه حسنا جميلا / ولو كان الحبيب من القرود


وأخيراً امرؤ القيس:

قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم / الحب أعظم ما في المجانين

الحب ليس يفيق الدهر صاحبه / وإنما يصرع المجنون في الحين

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البابا و«ترامب» صراع المؤمن والبراجماتى البابا و«ترامب» صراع المؤمن والبراجماتى



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon