حينما تدخل حرباً، عليك أن تحسب حسابات عديدة فى الداخل، وفى المنطقة، وفى شكل الموقف الدولى، لكن أهمها على الإطلاق هى «درجة تماسكك الداخلى، ووقوف جبهتك الداخلية خلفك».
فى الحرب هناك 3 أسئلة:
1 - هل لديك «إرادة» القتال؟ بمعنى هل تريد أن تحارب؟
2 - هل لديك «المعرفة» بتبعات القتال؟ بمعنى هل لديك حسابات دقيقة لفاتورة الحرب؟
3 - هل لديك «القدرة» على القتال؟ بمعنى هل لديك اكتمال لعناصر القوة التى تحقق لك عوامل النصر؟
إذن، نحن أمام مثلث: «الرغبة»، «المعرفة»، «القدرة»، إذا كانت الإجابة عن ثلاثتها بالإيجاب، فالطريق إلى الحرب -هنا فقط- يصبح ضرورة لا بديل عنها.
كان ونستون تشرشل «1874 - 1965»، الذى قاد بريطانيا باقتدار فى الحرب العالمية الثانية يقول دائماً: «الحرب عمل يتورط فيه الساسة، ولكن يتجنبه العسكريون».
الجنرالات، أكثر من غيرهم، يعرفون مخاطر الحرب، وتكاليفها البشرية والمادية.
والحروب مثل العقود التجارية لا توقع عليها قبل أن تعرف كيف ومتى يمكن لك أن تنهيها أو تخرج منها، لذلك يقولون: لا تدخل حرباً قبيل أن تعرف الإجابة عن 3 أسئلة:
1 - لماذا تدخلها؟
2 - ما أهدافك النهائية الواقعية؟
3 - متى وكيف تنهيها؟
وما تواجهه مصر والمنطقة الآن من مغامرات عسكرية تركية فى كردستان العراق، وإدلب سوريا، والغرب فى ليبيا، هى محاولات «ترويع بالحرب تهدف لابتزاز الدول والمنطقة والمصالح الدولية للحصول على قطعة من كعكة الغنائم».
ويبقى أمام المتضررين من السلوك التركى احتمال من ثلاثة:
1 - القبول بالأمر الواقع والاستجابة للابتزاز وإعطاؤه ما يريد -لا قدر الله-.
2 - التفاوض معه على ثمن معقول.
3 - رفض الابتزاز وسياسات غطرسة القوة ومواجهته بقوة مضادة لردعه مثلما واجه العالم قبل ذلك جنون هولاكو، وهتلر، وموسولينى، وصدام، وداعش والبشير والقاعدة، وإسرائيل فى حرب أكتوبر، والحوثيين وعبدالله صالح فى اليمن، وأخيراً، ها هو أحمق آخر لا يعرف مخاطر الحروب اسمه رجب طيب أردوغان يريد إشعال المنطقة كلها.
هذه هى حرب الضرورة، التى لا يكون هناك بديل عنها بعدما تكون قد استنفدت كافة عناصر التعقل والاعتدال والصبر الاستراتيجى والسياسة والدبلوماسية والوساطات والضغوط الدولية فى المفاوضات العلنية والسرية.
إذا استنفدت ذلك كله، ولم تصل رسالتك إلى الخصم أو العدو، هنا يصبح القتال ضرورة، وواجباً وطنياً، وحقاً مقدساً.
ويتعين دائماً فى زمن الحروب تذكر عبارة المفكر الاستراتيجى «كلاوز فينز»: «إن الحرب هى السياسة بطريقة أخرى وكل شىء وفيها سهل، والسهل فيها معقد للغاية».
هنا يأتى سؤال جوهرى: ماذا تفعل إذا اكتشفت أن عدوك يستفزك كى يستدرجك، ويستدرجك كى يستنزفك، ويستنزفك كى يضعفك، ويضعفك كى يوقف مشروعات الإصلاح الهادفة إلى بناء عناصر قوة؟
هنا عليك أن تتعامل بمزيج عبقرى من «الحكمة والقوة»، و«التعقل مع الشجاعة» و«المواجهة المباشرة لتحقيق أعلى قدر من النصر بأقل قدر من التكاليف والخسائر».
من هنا لا بد أن نقدر «دقة وحساسية» القرار الذى يقوم الرئيس عبدالفتاح السيسى بتشكيل معالمه ووضع لمساته الأخيرة وتوفير كافة عناصر النجاح له ويمكن القول إن الرئيس السيسى رتب وأعد كل عناصر الاستعداد الدستورية والأمنية والعسكرية للمواجهة.
انتقل الرئيس السيسى من مرحلة إدارة الأزمة، إلى مرحلة إدارة الصراع ببراعة شديدة وبحسابات دقيقة وواعية لطبيعة الصراع وأطرافه وحقيقة المواقف للاعبين الإقليميين والدوليين.
من هنا يدرك الرئيس، الدارس للعلوم العسكرية، والمتعمق فى الدراسات الاستراتيجية فى مصر، وبريطانيا، والولايات المتحدة، أن أهم عنصر من عناصر القوة فى الصراعات هو حجم تماسك الجبهة الداخلية والدعم الشعبى للقرار السياسى.
إننا بمعادلة بسيطة نريد أن نحلل مدى تماسك «الجبهة الداخلية» فى تركيا مقارنة بمصر، وما مدى وقوف الرأى العام خلف «أردوغان» وخلف «السيسى»؟ ومدى دعم المؤسسات السياسية فى مصر وتركيا لقرار أى حرب خارجية؟
تأملوا الصحف التركية، المؤيدة والمعارضة، اقرأوا التصريحات وسوف تكتشفون الآتى:
1 - انشقاق ضخم داخل الحزب الحاكم فى تركيا آخره استقالة 17 عضواً وعضوة من الحزب وانضمامهم إلى حزب داود أوغلو الجديد.
2 - تصريحات أوغلو الأخيرة التى ترى فى حروب أردوغان الأخيرة ودخوله فى صراع مع مصر هو حماقة سياسية.
3 - استمرار هبوط قيمة العملة التركية مقابل الدولار.
4- تساؤل النخبة التركية عن جدوى المغامرات العسكرية فى كردستان العراق وإدلب سوريا، وغرب ليبيا.
5 - شعور القوى العلمانية التى تتبنى المشروع الكمالى، الذى أسسه كمال أتاتورك عام 1923 بتحول الدولة المدنية التركية من العلمانية إلى دولة إخوانية متطرفة استبدادية يديرها حاكم فرد خارج عن السيطرة.
6 - قلق الأحزاب السياسية من ردود فعل القوى الدولية من سياسات «أردوغان» المغامرة واعتبار تركيا رجل أوروبا المشاغب، ما يضع الحلم التركى بعضوية الاتحاد الأوروبى فى «ثلاجة التجميد الأبدى».
ولا ينكر أى عاقل أن جبهة حلفائك فى المنطقة، وقبول المجتمع الدولى بقضيتك هى أمور أساسية وجوهرية، لكنها مع أهميتها القصوى ليست هى العنصر الحاسم فى النصر أو الهزيمة.
«قوة أى زعيم تنبع بالدرجة الأولى من دعم شعبه له حتى لو وقف العالم كله ضده».
هذه العبارة قالها لى الزعيم الأسطورى «ياسر عرفات» فى آخر حوار له قبل عملية تسميمه.
قال «عرفات» هذه العبارة وهو محاصَر من قوات الاحتلال الإسرائيلى، بشكل ظالم، غير إنسانى، لا يتفق مع أبجديات القانون الدولى ولا حقوق الإنسان.
هنا لا بد من الفهم العميق لهذه القاعدة الذهبية، وهى: «لو وقف العالم كله معك وخذلك شعبك، فأنت هالك لا محالة، وإذا وقف العالم كله ضدك ووقف خلفك شعبك فالنصر حليفك ولن تعرف الهزيمة طريقها إليك».
الآن لحظة الدعم الشعبى لمصر وجيشها ورئيسها.