أعتقد أن الرئيس دونالد ترامب يتأثر تماماً بسلوكيات زعماء العالم الثالث القائم على حكم الفرد، ويرى أن الحاكم له سلطة مطلقة فوق سلطة أى قانون أو رأى عام أو وسائل إعلام.
هذا الكلام ليس اتهاماً كيدياً فى «فخامة رئيس أكبر دولة فى العالم»، لكنه حسب شهادات بالصوت والصورة موثقة فى لجنة تحقيق المحقق المستقل «مولر»!
وجاء فى التقرير المفصل المطول المكون من 486 صفحة أن أقرب مساعدى «ترامب» ورجاله الذين اختارهم بنفسه «يرون أن الرجل يتصرف فى شئون الحكم بشكل انفرادى مطلق غير عابئ فيه بقواعد القوانين المعمول بها أو الأعراف السائدة».
وبالرجوع إلى كتاب «فن الصفقة» الذى أملاه رجل الأعمال -حينئذ- دونالد ترامب عام 1961 سوف نكتشف أن ذات القواعد التى استخدمها الرجل فى إدارة أعماله والتفاوض مع خصومه وإدارة شركاته والتعامل مع الرأى العام، هى ذاتها -تكاد تكون حرفية- فى سياساته منذ أن دخل البيت الأبيض يوم 20 يناير 2016.
باختصار، الرجل يتعامل مع البيت الأبيض كقطعة عقار يملكه، والدولة كشركة مملوكة بالكامل له، وموظفى هذه الدولة وكأنهم مستأجرون لديه!
باختصار، الرجل لا يعرف الفرق بين مشروع الحكم القائم على المسئولية والمساءلة من خلال السلطات الأخرى، وبين إدارة شركة مملوكة له ومورّثة له من قبَل الوالد العزيز.
هذا المنطق الشرقى نجده فى أن البعض يتعامل مع السلطة وكأنه الاقطاعى مالك الأرض أو «عمدة» أو «مختار» البلدة أو الضيعة فى عالمنا العربى.
الناس بهذا المنطق «أدوات» وليسوا شركاء.
القانون بهذا المنطق ليس بمثابة عقد اجتماعى بين أعلى سلطة تنفيذية وبقية السلطات، لكنه مسودة نصوص عقد تجارى يمكن التلاعب بها وتطويعها فى أى وقت لمصلحة من يريد.
ذلك يذكرنى بدور عمدة البلدة الطاغية الذى يريد التزوج بامرأة مزارعة متزوجة ويسعى لتطليقها من زوجها الأجير عنده بقوة المنصب وبإغراء المال.
هذا الصراع كان محور رواية رشدى صالح «الزوجة الثانية»، التى تجلت فيها حقيقة مهزلة طغيان السلطة حينما جاء العمدة بالمأذون وطلب منه تطليق المرأة من زوجها ثم طلب منه فى ذات الوقت أن يعقد عليها على الفور.
هنا اشتكى المأذون: «يا جناب العمدة هذا لا يجوز شرعاً لأن المطلقة لم تتجاوز فترة العدة الشرعية».
هنا رد العمدة بإجابة تاريخية صارت مثلاً: «اكتب يا شيخ ولا يهمك، الورق ورقنا والدفاتر دفاترنا».
هذا بالضبط هو بعض مما كشف عنه تقرير «مولر» وكشفت عنه شهادات الشهود الذين قالوا إن «ترامب» تقريباً «مسح بالقوانين الأرض»، وكان يطالب دائماً بمحاولات تعديل نصوص فى رسائل أو إخفاء معلومات أو تغيير شهادات أو الامتناع عن التعاون مع سلطات التحقيق.
قد ينجح أسلوب «ترامب» فى العالم الثالث -أحياناً- لكنه لا يمكن أن ينجح فى الولايات المتحدة الأمريكية فى هذا الزمن، وفى ظل أكبر ثورة اتصالات ومعلومات عرفتها البشرية.
أهلاً بدونالد ترامب فى نادى العالم الثالث!