يخطئ خطأً فادحاً فى الفهم والتحليل من لا يدرك محورية ومركزية ومكانة وهيبة وسلطات الملك فى المملكة العربية السعودية.
الملك، الحاكم، ولى الأمر، الذى كان منذ أكثر من 300 عام إماماً، أميراً، سلطاناً، ملكاً، ثم أصبح خادماً للحرمين الشريفين، هو صاحب القرار الأول للبلاد والمسئول الأساسى عن شئون العباد.
باختصار شديد، الملك هو الملك يختار ولى عهده، يشكل حكومته، يسمى أمراء المناطق، هو صاحب الكلمة الفصل فى شئون الحرب، مثلما فعل الملك فهد، رحمه الله، فى حرب تحرير الكويت، ومثلما فعل الملك سلمان، أعطاه الله الصحة، فى حرب اليمن، ومثلما قرّر الملك عبدالله، رحمه الله، فى مبادرة السلام العربية، ومثلما فعل الملك فهد فى إطلاق مبادرة الملك فهد للسلام فى قمة المغرب.
ملوك السعودية من الملك المؤسس عبدالعزيز، سعود، فيصل، خالد، فهد، عبدالله، سلـمان، لا يتخذون قراراتهم العليا سهواً أو بالصدفة أو بالمجاملة أو بالرغم عنهم.
قرارات البلاد العليا والرئيسية مركزها الملك، وهى تعبير صادق وكامل عن إرادته.
وتعلم جميع أبناء الملك عبدالعزيز من الملوك الذين خلفوه، أنه بالرغم من قوة السلطة الممنوحة لهم بحكم المنصب والعرف السياسى، والهيبة والمكانة فإنهم فى قراراتهم يراعون بدقة مجموع الشعب، والعائلة، والعلماء، والقبائل، والعادات والتقاليد، وحركة الأسواق، ومصالح رجال الأعمال والتجار، والعلاقات مع الجيران، ومكانة السعودية كأرض الحرمين، والعلاقات المميزة مع بعض العواصم الكبرى.
كل ذلك وأكثر يوضع فى الاعتبار.
الملك بالنسبة للعائلة هو والد الجميع، أمراء وأميرات، شيوخاً وشباباً، من النسب القريب أو الأبعد.
التراتبية، أى الترتيب الدقيق فى العائلة المالكة يتم احترامه بشكل صارم ودقيق لا يعرف التهاون أو المجاملة، فالترتيب من أعلى إلى الأقل، يسير بانضباط حديدى: الملك بعده ولى العهد، بعده ولى ولى العهد، بعدهم الوزراء وأمراء المناطق.
الترتيب فى العائلة: أصحاب السمو الملكى، ثم أصحاب السمو، ثم الأمراء، ثم النسب والمصاهرة.
السن لها مكانتها الكبرى فى البروتوكول فى ترتيب الجلوس بالمجالس، فى التقديم والتأخير بالمناسبات العامة، لكن عند الحكم، يحترم الجميع النظام العام، وإرادة الملك فى الاختيار والتعيينات، وفى عهد البيعة للملك وولى عهده.
هذه المقدمة مهمة للغاية لكل من يتفلسف فى التحليل السياسى لمجريات الأمور فى الشأن السعودى وهو غير واعٍ بها، غير متعمق لها.
لكن دائماً وأبداً استتباب الحكم واستقرار البلاد وقوة السلطة، وسيادة البلاد عند الملك، أى ملك سعودى لا تعرف كبيراً أو صغيراً.
من هنا أيضاً يمكن فهم معنى مبدأ الشورى فى السعودية، سواء جاءت من مواطن أو أمير أو وزير أو مستشار فى الديوان الملكى أو ديوان مجلس الوزراء. فى النهاية الشورى متاحة، لكنها شرعاً وعرفاً ليست ملزمة للحاكم، فهو يسمع ويستمع، لكنه بوصفه ولى الأمر المسئول أمام الله والشعب، يتخذ قراره ويتحمل نتائجه.
من هنا نجد كثيراً من المحللين الأمريكيين والأوروبيين قد وقعوا فى مطب إسقاط قواعد الحكم الأنجلوساكسونى على تحليلهم السياسى لما سموه التيارات، أو الأجنحة، أو تضارب المؤسسات، أو صراع القوى.
الصواب فى فهم هذه المسألة أنه إذا كان مليك البلاد فى السلطة، وبالقدرة الصحية لأداء مهامه، فإنه يسيطر على جميع عناصر القرار.
هل هذا يعنى أن قرار الملك فى السعودية فردى مطلق؟
الإجابة بالطبع لا، فالملك يرأس الحكومة بحكم سلطاته، وكل يوم اثنين يستمع إلى تقارير أفراد الحكومة، ولديه فى ديوان مجلس الوزراء والديوان الملكى مئات من المستشارين الخبراء ذوى الكفاءة من كل التخصّصات، ولديه مجموعة من القانونيين الذين يحصنون الأوامر الملكية، وقرارات الحكومة ضد أى تجاوز للنظام العام، أو القانون السارى فى البلاد.
من هنا أيضاً، يمكن التأكيد المطلق على أن جميع قرارات الإصلاح والتحديث، أو إطار رؤية 2030، وحرب اليمن، والموقف من دول المنطقة، والمواجهة مع قطر وإيران وتركيا وأدواتها فى المنطقة هى تعبير عن الملك وولى عهده ومستشاريه وحكومته، لكن تبقى القوة المرجحة لأى قرار بشكل نهائى هى إرادة الملك.
وحينما بدأت إجراءات الإصلاح الشامل فى عهد الملك سلمان، وولى عهده الأمير محمد، فإن هناك من استوعبها تماماً، وهناك من أخذ وقتاً للتكيف معها، خاصة إذا كان ينتمى لمرحلة سنية متأخرة، أو ينتمى لمناطق بعيدة عن المدن الحضارية، أو ما زال متأثراً بطبيعة العلاقات الاجتماعية الشديدة فى المحافظة، أو الموغلة فى التشدّد الفكرى أو الدينى.
مثل كل تغيير جذرى وشامل فى نظام الاقتصاد، وفى شكل العلاقات الاجتماعية، وفى تطوير أساليب جودة الحياة، نجد من هو سعيد بحاضره، متفائل بمستقبله، وهناك من يرى أن القديم والأقدم «الماضوى» هو المناسب له.
قوى التغيير فى المملكة تحكمها التركيبة الديمقراطية من ناحية العمر، ومن ناحية التعليم، ومن ناحية الجنس (ذكوراً وإناثاً).
الأرقام، وهى أصدق برهان، تؤكد الحقائق وتحسم المسألة لصالح سياسات الإصلاح والتحديث.
آخر تعداد للسكان يقول رسمياً إنه فى عام 2017 كان مجموع سكان المملكة 31.94 مليون مواطن ومواطنة. وتشير بعض الدراسات إلى أنهم وصلوا الآن إلى 33 مليوناً، وتبلغ نسبة الشباب (من 15 سنة إلى 34 سنة) 36.7٪ من السكان، مناصفة بين ذكور وأناث ينتشرون فى جميع مناطق البلاد بنفس النسبة تقريباً، أعلاها فى المنطقة الشرقية، حيث تبلغ نسبة الشباب والشابات 38.4٪ من السكان.
ومقارنة بالإحصاءات العالمية، فإن نسبة الشباب إلى السكان هى الأعلى عالمياً، فالإحصاءات تقول إن السعودية هى الأعلى فى أكبر 20 دولة فيها نمو سكانى للشباب، فالأدنى هى اليابان 20٪ والأقرب هى المكسيك 33٪.
هناك تيار ثالث، يمكن تسميته بالتيار الحذر، وهو فى أغلبه من الجيل الأوسط ذى التعليم والثقافة المنتمية إلى النخبة التى تدعم رؤية التحديث والتطور، لكنها ترى أنها كانت أسرع من قدرة المجتمع على الاستيعاب.
هذا مردود عليه بالأرقام والنتائج والملاحظة الدقيقة.
غداً نشرح هذا الأمر بإذن الله.