قررت «أنقرة» التدخل فى طرابلس بتمويل من «الدوحة»، وغطاء من حكومة فايز السراج.
فى المقابل، قررت مصر المواجهة، وقررت اليونان وقبرص عدم الصمت، وقرر الاتحاد الأوروبى الإدانة، وقررت الخارجية الأمريكية الإعراب عن قلقها!
السؤال الجوهرى: هل تعرف العقلية الهيستيرية لأردوغان وتلك الساذجة فى الدوحة خطورة وفداحة فاتورة التدخل فى طرابلس؟
تدخُّل أنقرة والدوحة فى ليبيا ليس جديداً، فمنذ سقوط نظام القذافى، ووجودهما على الأرض الليبية واضح ومؤثر، خاصة فى صناعة وتمويل وتسليح وتدريب جماعات الإرهاب التكفيرى، من جماعة «فجر ليبيا» إلى قوة الردع الخاصة التى يقودها عبدالرؤوف كارة «السلفى»، والتى تسيطر على المطار الوحيد، إلى كتيبة النواصى إلى الأمن المركزى التى يديرها «أبوسليم»، صاحب التاريخ الإجرامى!
الآن الأمر يختلف، لأنه انتقل من حالة المساندة إلى المواجهة المباشرة التى تهدف إلى تغيير التوازنات للإضرار بالأمن القومى لمصر، والاستيلاء على الغاز والنفط الليبى، ولتدعيم حزام تحالف جماعة الإخوان فى المنطقة والمتوسط، مستعينة بالجماعة الليبية المقاتلة، وهى جماعة جهادية تمارس القتل بفتوى شرعية!
ولكن.. ما هى تحديات المشروع التركى المموَّل قطرياً؟
ليبيا ليست أى دولة، لأن فيها 4 تحديات خلقتها الطبيعة:
1- تبلغ مساحة ليبيا مليوناً و759 كيلومتراً، وتحتل المركز رقم 17 فى ترتيب مساحات دول العالم، ويحدها من الشمال البحر المتوسط.
2- حدود ليبيا المشتركة طويلة ومكشوفة، فمن الغرب لديها حدود مشتركة مع الجزائر وتونس، والجنوب الغربى النيجر، ومن الجنوب تشاد وتونس، ومن الشرق مصر التى ترتبط معها بحدود برية.
3- سواحل ليبيا: يعتبر الساحل الليبى الذى يبلغ طوله 1775 كيلومتراً أطول ساحل بلد أفريقى على المتوسط.
4- مدينة طرابلس «العاصمة» هى مركز الحكم وأيضاً مركز الحكومة والبرلمان والبنك المركزى وميناء التصدير، ولها إطلالتها المهمة على سواحل المتوسط، لكنها أيضاً فى وضع جغرافى يبقيها منعزلة، لأن قوات الجيش الوطنى «جيش حفتر» تسيطر على 90٪ من مساحة البلاد، كما أن هذا الجيش -بينما تُكتب هذه السطور- يقاتل داخل ممرات وأزقة المحاور الرئيسية فى المدينة كتائب 5 ميليشيات رئيسية مموَّلة ومدعومة تماماً من المحور التركى - القطرى، وتعتبر المدينة أكبر المدن الليبية، ويزيد تعدادها على أكثر من مليون نسمة من مجموع 6 ملايين هم سكان الدولة.
ويعتبر ميناء طرابلس منفذاً رئيسياً لنقل التجارة والركاب على المتوسط، ومنفذاً لنقل النفط الليبى الذى يمثل عاشر أكبر احتياطى نفطى فى العالم.
إذا كانت حماقة أردوغان تجعله يسعى للحصول على موافقة البرلمان التركى للتدخل وتمويل «الدوحة» لبدء الحملة العسكرية، واستخدام ورقة غير شرعية من فايز السراج بطلب التدخل، فإنه لا يدرك حقيقة الواقع على الأرض الذى يمكن أن يواجهه.
هذا التدخل فيه تهديد مباشر لكل من:
1- مصر.
2- اليونان.
3- قبرص.
4- الجيش الوطنى الليبى.
5- الاتحاد الأوروبى.
6- دول الناتو.
وأيضاً هذا التدخل يزعج كلاً من السعودية والإمارات اللتين تتحالفان.
وعلى الأرض، أى على مسرح المعارك البرية، فإن الجيش التركى فى حال وجوده سوف يعانى من 3 إشكاليات كبرى:
1- صعوبات تأمين حماية جوية، خاصة أنه لا يمتلك حاملة طائرات أو حاملة هليكوبتر.
2- طول خطوط الإمداد والتموين، على خلاف توفر ذلك العنصر -برياً- فى العراق وسوريا.
3- اعتبار الوجود التركى فى ليبيا وجود احتلال غير معترف به إلا من «السراج» وقطر، وبدء تعرضه لعمليات حروب عصابات مرهقة تبدأ ولا تنتهى!
كل ذلك يحدث فى وقت هناك تمدد لقوات تركيا فى 11 دولة!
حرب «أردوغان» الآن هى مزيج من شعار إخوانى كاذب لنصرة الشرعية والمظلومين، لكنه مشروع استيطانى استعمارى يهدف لإمبراطورية تسعى للسيطرة على المواقع الاستراتيجية والموارد الطبيعية للدول الأضعف.
إن تركيا بجيشها سوف يتعين عليها أن تحارب بَحَرية كلٍّ من مصر واليونان وقبرص والجيش الوطنى.
على تركيا أن تواجه 84 سفينة حربية و48 سفينة دعم يونانية، و4 غواصات جبارة، وحاملتى طائرات هليكوبتر، وأكبر بحرية فى أفريقيا والشرق الأوسط فى مصر، و15 ألف مقاتل وفرقاطات وقوارب صواريخ للجيش الوطنى الليبى، وزوارق وصواريخ ساحلية قبرصية، وكلها لقوات وجيوش أجرت مناورات مشتركة متعددة.
القصة باختصار «أيديولوجيا وطاقة»، مشروع شرير، ونهب ثروات يتم تغليفه بشعارات براقة وعاطفية تغرر، ويا لَلأسف الشديد بملايين من الشباب المسكين!
أعداء أردوغان يتمنون له أن «يغرز» فى شَرَك «المستنقع الليبى» حتى يدفع فى تلك المغامرة ضريبة كبرى هى «بداية نهايته»!