أسوأ شىء يقع فيه أى إنسان، فى أى زمان ومكان، هو أن يكون ضحية الهوة العظيمة بين «الرغبة» فى شىء و«القدرة» عليه!
هذه المساحة بين ما أريده وما أقدر عليه هى خلل قاتل فى نفسية أى إنسان.
الأخطر، ألا تدرك هذا الخلل، وتعتقد دائماً أنك قادر بينما لا تملك القدرة، وأنك قوى وأنت ضعيف، وأنك موهوب وأنت فاشل، وأنك قائد وأنت جاهل بالإدارة، وأنك مفكر وأنت لم تقرأ كتاباً!
كم من الزعامات فى التاريخ ضاعت وأضاعت عروشاً وممالك وشعوباً بسبب أوهام القوة التى وصلت إلى حالة مما يسمى نفسياً بالضلالات؟؟
أخطر ما فى هذه الضلالات هو «الإيمان القوى الجازم» لدى المريض بها أنه قادر تماماً ومؤهل كلياً على فعل أشياء واتخاذ قرارات أكبر من قدراته الذاتية الفعلية.
اعتقد الهكسوس، والتتار، والصليبيون والفرس والعثمانيون والبرتغاليون والإنجليز والفرنسيون والألمان والروس والأمريكان أنهم قادرون على السيطرة على شعوب العالم. واليوم ترى ضلالات ترامب فى ترويض الصين تجارياً، وكوريا الشمالية عسكرياً وإيران أمنياً. ونرى بوتين يريد ترويض سوريا والولايات المتحدة وأوكرانيا وأوروبا وأوبك وأوابك. وترى ضلالات الدوحة فى أن تتمكن دولة صغيرة محدودة المساحة، محدودة السكان، من لعب دور فوق قدراتها عالمياً من خلال ثروة غاز وصندوق سيادى ضخم. ونرى ضلالات رجب طيب أردوغان فى إعادة مشروع الخلافة العثمانية لبناء «تركيا القوية» كما يسميها، تسيطر على العراق وسوريا ولبنان وليبيا واليونان ومصر والسودان!
إذا أردت تدمير إسرائيل، لا تصرح بذلك إلا إذا كنت قادراً بالفعل، وإلا دفعت ثمن استفزازها ورد فعلها دون أن تنال من شعرة واحدة منها. إذا كنت تريد سحق الإمبريالية الأمريكية عليك أن تسأل نفسك هل لديك عناصر القوة التى لدى الأمريكيين مثل مقعد دائم فى مجلس الأمن، وقنبلة نووية، و72٪ من الكتلة النقدية المتداولة فى العالم، والتأثير الإعلامى والعلمى والثقافى؟
إذا كنت تريد تغيير خارطة المنطقة وبناء إمبراطورية فارسية أو عثمانية جديدة فهل النظام الدولى الحالى سوف يسمح لك؟
لا تصرح بشىء لست قادراً عليه، ولا تفعل ما هو أكبر من إمكانياتك وأكثر من قدراتك وما هو خارج عن قانون وقواعد النظام الدولى.
إذا كنت قادراً فعليك بالتغيير وإلا كنت مقصراً!
واليوم نرى ضلالات المشروع الصهيونى فى القدرة على تنفيذ حلم هرتزل فى المؤتمر الصهيونى الأول الذى أقيم فى مدينة «بازل» السويسرية عام 1897 منذ 230 عاماً بالسيطرة على أراضى وثروات منطقة الشرق الأوسط من خلال مشروع الدولة اليهودية الديانة الصهيونية الفكر. واليوم نرى ضلالات مشروع إيرانى فارسى طائفى يسعى إلى إعادة توسعات الدولة الصفوية فى المنطقة تحت مشروع «غيبى تراثى» يقوم على مبدأ ولاية الفقيه، وإقامة دولة مذهبية تقوم على الولاء والطاعة للسلطة الزمنية للمرشد الأعلى الذى يشغل منصب نائب الإمام الغائب لحين عودته من غيبته الكبرى.
التعريف العلمى للضلالة هو:
«أنها معتقدات خاطئة لا تستند إلى حقيقة الواقع بينما تسيطر على صاحبها مجموعة من المعتقدات الثابتة المنتظمة غير القابلة للمناقشة أو التعديل».
وكثيراً ما يسيطر على عقل صاحب هذه الضلالات بناء يبدو للوهلة الأولى منطقياً يقوم على أسس علمية بينما هو محاولة صاحب الأمر عمل نوع من «غسل دماغ» للآخرين وإقناع نفسه والآخرين بصوابه المطلق.
فى الشرق الأوسط نجد أن هؤلاء غلفوا ضلالاتهم أحياناً بالدين أو الوطنية، أو العروبة، أو المذهبية أو الطائفية لتعبئة الأنصار وحشد الجماهير وتبرير مشروعاتهم الفاشلة المبنية على أوهام.
أكبر كلفة مادية فى المال بالأرقام، وبالخسائر البشرية فى التاريخ المعاصر تسبب فيها رجل واحد هو الرئيس العراقى الأسبق صدام حسين، رحمه الله، سبقه فى ذلك ستالين ثم هتلر.
وشهادتى فى الرجل مجروحة، لأننى لم أكن أبداً من المؤمنين بأفكار حزب البعث ولا بالمشروع القومى الذى يحمله، لأنه فى النهاية ما هو إلا غطاء لحزب فاشى مستبد يريد السيطرة تحت شعار «قومجى كاذب».
تسبب هذا الحزب، وهذا الحاكم فى كوارث كبرى:
1- الحرب العراقية الإيرانية التى كلفت العراق وإيران ودول الخليج بأسعار ذلك الزمن نصف تريليون دولار.
ثانياً: تسبب أيضاً هذا الحزب وزعيمه فى ضلالة أخرى وهى غزو دولة الكويت بالكامل وتغيير الحكم فيها، ما أدى إلى حرب تحرير الكويت التى كلفت البشرية أكثر من تريليون دولار «فى ذلك الوقت».
ثالثاً: أعطى كلام الرئيس صدام عن السلاح الكيماوى فى قمة بغداد فى 28 مايو 1990 والتوصية بحق العراق فى امتلاك التكنولوجيا الحديثة فى التسليح، كما جاء فى البند السابع من توصيات تلك القمة، حجة قانونية، وتبريراً سياسياً لمشروع جورج بوش الابن الأحمق فى الغزو غير المبرر والظالم للعراق واحتلال أراضيه بالقوة المسلحة.
هذه العمليات كلفت الولايات المتحدة 4 تريليونات دولار وكلفت العراق كخسائر مباشرة وغير مباشرة تريليونين من الدولارات. إذن ضلالة رجل واحد فى غزو جارة هى إيران وجارة أخرى هى الكويت، وإشاعة وهم أنه صاحب أكبر سلاح كيماوى قادر على قسم إسرائيل إلى نصفين، كلف العراق والبشرية وجيران العراق: عشرة تريليونات من الدولارات على الأقل، ونصف مليون قتيل و2.5 مليون جريح ومائة ألف مفقود، وضياع عقول بشرية وهجرة خبرات وهروب استثمارات لا تقدر بمال.
أخطر ما فى أن يصاب قائد أو زعيم بضلالة غطرسة القوة مثل: هولاكو، ونابليون وهتلر، وصدام والقذافى، وخامئنى، وبن لادن، والبغدادى، وترامب، وبوتين هى أن فاتورة تكاليف هذه الضلالات تكون باهظة ومخيفة تدفع ثمنها شعوبهم المسكينة الصبورة التى سقطت فى فخ «الزعيم القائد المهيب البطل الملهم».
وصدق رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام حينما قال: «لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر».
صدقت يا سيدى يا رسول الله.