بصرف النظر عن رأينا فى سياسات «أردوغان».. هل ما يفعله مؤخراً قابل للنجاح؟
بصرف النظر عن مشاعر الحب أو الكراهية للرجل، بصرف النظر عن تحالفه مع قطر، وميوله الإخوانية، وتآمره علينا.. هل ما يتخذه هذا الرجل يتفق مع العقل والمنطق والمصالح؟
هل ما يقوم به «أردوغان» يخدم الأمن القومى التركى؟
الإجابة الصريحة الواضحة باختصار وبحياد أن ما يقوم به الرئيس التركى الآن هو تعبير عن «جنون عظمة شخصى» يعكس حالة من فقدان الاتزان السياسى القائم على تغليب مصلحة شخصية ذاتية نرجسية قائمة على ضلالات وأوهام باستعادة إنشاء الإمبراطورية العثمانية بطبعة جديدة تخلق منه «خليفة للمسلمين»، وتجعل من «أنقرة» الأستانة الجديدة، وتجعل من عرب اليوم، بشراً وحدوداً وثروات، تابعة تماماً لـ«الباب العالى»!
ويرى الرجل أن الخلافة العثمانية الجديدة عليها أن تفعل مثل الخلافة القديمة، وتحتمى بعباءة الإسلام حتى تسود وتحكم، لذلك اختارت -هذه المرة- نسخة معدلة من الإسلام السياسى عبر التنظيم الدولى لجماعة الإخوان المسلمين.
حلم «أردوغان» يقوم على 4 عناصر:
- أنقرة تحكم.
- دول الخليج تموِّل.
- مرشد الإخوان يعطى الغطاء الدينى.
- المؤسسة العسكرية التركية تنفذ عمليات التوسع والهيمنة.
من هنا ليس غريباً أن نرى الآتى:
1- قواعد عسكرية ووجود أمنى تركى حالى فى قطر وجيبوتى وليبيا والصومال وسوريا والعراق وقبرص التركية.
2- السعى إلى الحصول على ثروات غاز ونفط من سوريا ولبنان وحدود وسواحل اليونان وقبرص وتركيا.
3- محاولة فرض سياسة قرصنة بحرية مسلحة فى سواحل البحر المتوسط من اليونان عبوراً بليبيا حتى لبنان.
4- إجبار كل من موسكو وواشنطن فى آن واحد على قبول عقيدة تسليح يتقاسم فيها الجيش التركى نوعَى سلاح أمريكى - روسى فى آن واحد.
هذا كله يتم فى وقت تشتبك فيه تركيا مع الاتحاد الأوروبى وحلف الناتو والبرلمان الأوروبى فى كثير من الملفات الشائكة.
وهذا كله يتم، والليرة التركية تعانى من هبوط تاريخى، وعجز الموازنة فى تزايد، والبطالة لدى الشباب أصبحت ضاغطة، مما ينذر باحتمالات الاضطرار إلى إجراء انتخابات نيابية جديدة ومبكرة.
ويشعر «أردوغان» بقلق من نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة التى فقد فيها حزبه مواقع تقليدية فى مدن رئيسية كانت تابعة لنفوذه، مثل مدن إسطنبول وأنقرة وأزمير، فى الوقت الذى زادت فيه الشائعات عن اتهامات الفساد لزوج ابنته المقرب جداً إليه.
تنتهى مدة حكم «أردوغان» عام 2024، إلا أن تحليلات المراقبين تنبئ بأن أخطاء الرجل الفادحة فى الداخل والخارج تضغط عليه للجوء لانتخابات مبكرة، سِجْل «أردوغان» فى القمع والاستبداد الداخلى مذهل، فتركيا الآن هى الدولة الثانية بعد الصين فى اعتقال الصحفيين، وواحدة من أسوأ 10 دول فى حقوق الإنسان، ومن الأسوأ فى مؤشر الفساد الحكومى.
هناك استحالة نسبية لقدرة عسكرية لأى دولة حتى لو كانت «سوبر إقليمية» بأن يكون لديها قوات مسلحة محاربة تحتل أراضى فى سوريا والعراق وليبيا وقطر وجيبوتى ولديها قطع بحرية قبالة سواحل: اليونان وقبرص وليبيا وسوريا فى آن واحد!
يبلغ تعداد الجيش التركى 670 ألف جندى وضابط، وترتيبه يبلغ الـ14 فى ترتيب جيوش العالم، وينفق سنوياً قرابة 20 مليار دولار أمريكى.
هذا الجيش يتعين عليه ضبط الأمن فى الداخل وحماية الأماكن الاستراتيجية وتأمين حدود تركيا مع العراق وسوريا ومداخل ومخارج معسكرات النازحين السوريين البالغين 4 ملايين.
هذا الجيش أيضاً لديه هاجس من إشكاليات سياسية لمركّب أساسى من مكونات السكان فى تركيا وهو الأكراد الأتراك.
وتزداد مهام الجيش التركى وتصبح أكثر تمدداً إن علمنا أن تركيا توفر ثانى أكبر عدد من القوات البرية فى حلف الناتو بعد عدد القوات الأمريكية.
من هنا تصبح معادلات السياسة الخارجية لدى «أردوغان» تصادمية، وعمليات تمدده ومغامراته العسكرية فيها تمدد مستحيل الكفاءة ومستحيل التحقق، ذلك كله يلقى بظلاله السلبية على الأداء الاقتصادى فى الداخل، مما ينذر بتعريض الرجل وحزبه إلى مخاطر شديدة.
المشهد الحالى هو مشهد رجل يبلغ من العمر 66 عاماً، لديه 4 سنوات على نهاية مدته، يعانى من ضغوط هائلة من الداخل والخارج، ومؤشرات مخيفة بفقدان الشعبية، ليصبح يائساً متوتراً يسعى إلى اتخاذ أى إجراءات والتورط فى أى مغامرات مهما كانت مكلفة تحت تأثير مشاعر: «أنا الغريق -لا محالة- فما خوفى من البلل»!