بقلم : عماد الدين أديب
ما زلنا نعيش فى العالم العربى والمنطقة حالة سداد الفواتير التاريخية القديمة.
ما زلنا نعيش حالة «الفلاش باك» السياسى الذى يتم معه استرجاع الماضى ومحاولة تصفية الثأرات القديمة بدماء جديدة وتكاليف أكبر.
الحضارات التى سادت والتجارب التاريخية التى نجحت تلك التى دفنت صراعات الماضى العقيمة وقررت التخطيط والعمل على بناء حاضر ومستقبل قائم على لغة المصالح المشتركة.
أوروبا وصلت إلى بدايات فكرة الاتحاد فى أوائل الخمسينات بعدما دفنت صراعاتها الحدودية، وتناست فتوحات نابليون، وحرب «الفايكنج» فى الشمال، ومغامرات الإمبراطورية البريطانية، واستطاعت أن توقف التوسع العثمانى، وفاشية موسولينى، ونازية هتلر، وجموح الإقطاع الصناعى فى اليابان.
طوت أوروبا هذه الصفحات وبحثت عن صيغ للتعاون، وأصبحت فرنسا وألمانيا أكثر الدول الأوروبية تقارباً وتعاوناً، وتبلور التعاون البريطانى - الأمريكى لخدمة مصالح استراتيجية على جانبَى الأطلنطى.
وحدنا فى العالم العربى ما زلنا أسرى الماضى السحيق.
ما زلنا نعيش حالة ثأر «الحسين»، رضى الله عنه، منذ 1400 سنة، وما زلنا نعيش حالة مخاوف «آل ثانى» من «آل سعود» رغم مرور أكثر من 250 عاماً، وما زلنا نعيش الخلافات القبلية والحدودية بين المغرب والجزائر، وما زالت قبائل الشمال والجنوب الليبى تتذكر دماءها وثأراتها القديمة، وما زال البعض يعيش فى زمن الشريف حسين بن على، وما زال «المهدية» فى السودان لا ينسون الدور العسكرى المصرى، وما زال «الدروز» فى لبنان لديهم ثأر مع حزب البعث السورى، و«الموارنة» لا يغفرون «حرب الجبل»، وما زالت دماء رفيق الحريرى ومَن تلاه من شهداء لم تهدأ بعد بالقصاص العادل.
فواتير قديمة تاريخياً لم تُسدد بعد، وفواتير جديدة تُفتح كل يوم، وما زلنا نعيش حالة الثأر والثأر المضاد.
العثمانيون الجدد يسعون لتجديد الخلافة على يد «أردوغان»، والتنظيم الدولى للإخوان فى لندن يسعى لنشر «أستاذية حسن البنا»، وإيران تسعى إلى الثأر لمظلومية سيدنا الحسين، وما زالت إسرائيل تتألم لطرد الفرعون لليهود فى زمن سيدنا موسى عليه السلام.
أديان، مذاهب، طوائف، قبائل، مناطق، طبقات تعيش حالة سداد فواتير قديمة بينما يضيع منا الحاضر، ولا مكان عندنا للمستقبل.