توقيت القاهرة المحلي 08:12:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«كلا إن الإنسان ليطغى»

  مصر اليوم -

«كلا إن الإنسان ليطغى»

بقلم: عماد الدين أديب

بعيداً عن التحليل العلمى المعملى الوبائى الجرثومى الذى يمكن أن يفسر علمياً «فيروس كورونا»، فإن عقلى المتواضع وفهمى المحدود قد قادانى إلى فهم أعمق لما يحدث الآن.

ورغم أننى لا أحب الذين يتاجرون بالشعارات الدينية، أو يوغلون فى التفسير الغيبى إلى حد الدروشة والانحراف عن صحيح الدين وحقيقة الإيمان، فإن ما نشهده الآن هو حدث جلل يجب أن يفهمه أصحاب العقول والقلوب والنفوس المؤمنة.

منذ بدء الخليقة وهناك تحديات يواجهها الإنسان بالبحث عن الزرع، الماء، النار، الطاقة، السكن الآمن، الحماية من الكوارث الطبيعية.

وعرف الإنسان: الطاعون، والحصبة، والملاريا، والإنفلونزا، ومتحور الإنفلونزا، وجنون البقر، والإيدز، والسرطان، والألزهايمر.

فى كل مرة يظهر الداء، وبعده يتم اكتشاف المصل أو الدواء، ويعتقد العلم والعلماء أن الإنسان أصبح فى مأمن من الأمراض.

تقدُّم العلم والعلماء أغرى مراكز الأبحاث بالسعى إلى البحث عن إطالة العمر ومحاربة الشيخوخة والبحث عن الأبدية عبر التحكم الجينى أو زراعة الأعضاء إلى حد الإقدام على صناعة إنسان من الألف إلى الياء.

ووصل العلم والعلماء إلى وضع عقل فى الإنسان الآلى، ووضع آلات وشرائح إلكترونية فى الجسم البشرى.

هذا كله أوصلنا إلى تلك الحالة الخطرة التى يتجرأ فيها العلم على قدرة الخالق، ويعتقد العالم أنه بديل - والعياذ بالله - للإله جل شأنه.

جبروت العقل البشرى، طغيان العقل العلمى المنزوع منه الإيمان، يعطيان إنسان اليوم حالة مخيفة من الزهو والكبر والغرور بالنفس، مما يجعله يشعر أنه عابر لإرادة الخالق الواحد الأحد المدبر المطلق لهذا الكون.

وكلما شعر الإنسان أنه ملك المعرفة المطلقة، وأصبح قادراً على فعل كل شىء وأى شىء، وأن إرادته مطلقة لا حدود لها، جاءته رسالة واضحة من السماء تقول له: «أيها الإنسان أنت لا شىء، أنت جناح بعوضة أمام قدرة الله الواحد الأحد».

ها هى أعظم جنسيات فى عالم اليوم، معزولة داخل غرفها أو منازلها، أحيائها، مدنها، بلا حركة طيران ولا قطارات ولا خروج ولا متنزهات، ولا مطاعم ولا ملاهى، يخزنون المياه والأطعمة، يتكالبون على الكمامات والمعقمات، يعيشون فى قلق ورعب وخوف واكتئاب وذعر وتوحد وانعزال!

هذا الإنسان قبل فيروس كورونا كان يبيع ويشترى، يتحرك بحرية ويغزو الأرض من أقصاها إلى أقصاها، يخترع عقاقير ويصنع أسلحة، ويبيع سلعاً استفزازية تبدأ من أطواق مرصعة بالماس للكلاب إلى جهاز موبايل من البلاتين والأحجار الكريمة، يعتقد أنه ملك الأرض وما عليها، ويستعد لبناء مدن فى كواكب الفضاء!

السعى إلى التقدم والإصلاح والإبداع والابتكار هو تكريم لمنحة العقل التى اختصنا بها الله عن سائر الكائنات، ولكن حينما تصاب النفس البشرية بالكبر، ويتخيل الإنسان أنه سيد هذا الكون ممسك بكل مفاتيحه، ولديه كافة الإجابات على كل ألغازه.. هنا تأتى الرسالة الحاسمة: «حياتك قد تكون فى خطر من مجرد بعض رشقات رذاذ العطاس أو لمسة على سطح ملوث»!

الرسالة: أيها الإنسان اعرف حقيقة حجمك ومكانك ومكانتك فى ضفاف هذا الكون العظيم.

ها هى اقتصادات العالم - جميعها - تعانى من خسائر مجمّعة مباشرة وغير مباشرة تتجاوز التريليون دولار حتى تاريخه.

ها هى صناعات مثل النقل الجوى، والسياحة، والسفر والفنادق تحتضر.

ها هى صناعات النفط للشهر المقبل تنذر بأقل هبوط تاريخى لبرميل النفط حتى يكاد يصل إلى 25 دولاراً.

ها هى شركات كبرى ومتوسطة وصغرى لا تعرف ماذا تفعل مع جيوش موظفيها وعمالها وكيفية التعامل مع تأمينهم صحياً ومادياً؟

ها هى المساجد والكنائس والمعابد وملاعب كرة القدم والاحتفالات والاجتماعات العامة والمقاهى والمطاعم بلا جمهور.

ها هو الحرم المكى والحرم النبوى محددا الزوار، وها هو بابا روما يلقى، لأول مرة، عظته الأسبوعية بلا «مؤمنين».

الاقتصادات، والحكام، والحكومات، والعلماء، والأطباء، والنظام الصحى والعملات، والبورصات، والتجارة العالمية، والانتقالات فى الداخل والخارج تحت ضغط غير مسبوق.

باختصار.. البشرية - فجأة - فى أزمة!

إنه درس يدعو كل من على كوكب الأرض إلى أن يتأمله بعمق ويتدارسه.

عالم ما بعد الكورونا ليس كعالم ما قبله، وقيم ومشاعر وأحكام البشر بعد الكورونا سوف يعاد تقييمها وتدارسها بمنظور الإنسان المتواضع البعيد عن طغيان قوة العلم والمادة.

تعريف الطغيان فى الفقه هو تجاوز الحد، والطاغى هو العاصى الجبار العنيد، وفى تعريف آخر فى قواميس اللغة هو «الأحمق المستكبر الظالم».

قوة العلم وسطوة التفكير المادى والتطور المذهل فى تقنيات العلوم الحديثة وثورة الاتصالات وانفجار المعارف بلا حدود أدارت رؤوس البشر حتى ظنوا أنهم قادرون على الأرض وما عليها.

حينما يُفتن الإنسان بنفسه وقدراته يحق عليه قوله تعالى: «كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى» (سورة العلق، الآيتان 6، 7).

حقاً صدق الله العظيم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«كلا إن الإنسان ليطغى» «كلا إن الإنسان ليطغى»



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon