هناك حروب وصراعات نصنعها ونختارها، وهناك حروب وصراعات هى التى تصنعنا وتختارنا! إنها حروب الأمر الواقع التى تصبح ببساطة: «حرب الضرورة».
أحياناً تكون فاتورة بعض الصراعات حروباً، وتكون فاتورة بعض الحروب مكلفة، وأحياناً -أخرى- يكون ثمن عدم الحرب أكثر كلفة من الحرب!
فى حالة التهديد الوجودى بالنسبة للموارد الطبيعية، الماء، الغاز، النفط، الغذاء، الموقع، الحدود، السيادة، تصبح «حرب الضرورة»!
وفى تلك الظروف، فإن فاتورتها تصبح باهظة، والتعريف العلمى للحرب فى العلوم السياسية هو: «إنها نزاع مسلح تبادلى بين دولتين أو أكثر من الكيانات غير المنسجمة، حيث الهدف منها هو إعادة تنظيم الجغرافيا السياسية للحصول على نتائج محددة وأهداف مسبقة»، و«قد تجرى الحروب فى وقت واحد ضد طرف واحد وعلى مسرح واحد أو أكثر». وفى القانون الدولى، فإن تعريف الحرب هو: «نزاع مسلح بين فريقين من دولتين مختلفتين إذ تدافع فيها كل دولة عن مصالحها وحقوقها».
وأى دولة عاقلة، لها قيادة واعية، مدركة لمعنى وكلفة الحرب إنسانياً واقتصادياً وحضارياً، تسعى إلى فعل كل شىء وأى شىء لاستنفاد الوسائل السلمية، حتى تكون هناك لا جدوى من أى وساطة، ولا معنى لأى قرار أممى.
هنا ينتقل شكل الصراع من مستوى الحل بالسياسة والدبلوماسية والتفاوض إلى مستوى: القوة بكافة أشكالها من حصار وعقوبات إلى عمل عسكرى مباشر أو بالوكالة، محدود أو شامل.
وينطبق نفس الحال على الوضع فى ليبيا، بعدما حاول الطرف المصرى إبراء الذمة من خلال محاولات التوفيق بين أطراف الصراع منذ سنوات وبعدما أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى مبادرة القاهرة لتسوية الصراع.
وضعت القاهرة معياراً لحسن النوايا أو سوء النوايا، للرغبة فى التفاوض أو السعى إلى إثارة القلاقل.
المعيار، هو احترام أو خرق خط سرت - الجفرة، إذا تم احترامنا دخلنا فى مرحلة الحل والتفاوض، وإذا تم خرقه انتقلنا إلى مستوى الردع العسكرى والقتال، من هنا الآتى سيكون حرباً بالوكالة بتوجيه من القوى الإقليمية تدار بأرفع وسائل الحرب الحديثة إلكترونياً.
وفى إثيوبيا، هناك تهديد وجودى لكل مواطن مصرى وسودانى من خلال تهديد حصصهم فى المياه والحياة!
فى ليبيا، هناك تهديد وجودى لسلامة كل مصرى، ويونانى، وقبرصى، وتونسى وجزائرى، ومغربى بوجود ميليشيات إرهاب تكفيرى بتمويل قطرى، برعاية وقواعد عسكرية تركية تسعى لإقامة خلافة عثمانية جديدة. هذا المنطق تنطبق عليه مقولة رونالد ريجان «تبدأ الحروب عندما يعتقد البعض أن ثمن العدوان رخيص».
فى إثيوبيا وليبيا، والإخوان والإرهاب التكفيرى، المصدر واحد لا يتغير، وهو مال قطرى وقوة عسكرية تركية، ومشروع شرير مشترك.
هنا، يجد صانع القرار، الصبور، الحكيم نفسه أمام خيار لم يصنعه ولكن صنعته الظروف، وفرضه الواقع بشكل لا يمكن تجنبه وهو «حرب الضرورة».
أمران لا يمكن التغاضى عنهما: أمن البلاد وأمن المياه والآن يضاف لهما أمن الغاز.
منذ بداية العام، كان السؤال المتداول فى المنطقة هو: «هل تحارب مصر فى إثيوبيا أو ليبيا أو كلتيهما معاً؟».
صراعان لا يمكن السكوت أو التغاضى أو التساهل فيهما.
اليوم السؤال، وبعد المراوغة اللانهائية للمفاوض الإثيوبى والجنون العسكرى لأردوغان أصبح السؤال: «متى» و«كيف» ستحارب مصر؟ ولم يعد السؤال «تحارب أو لا تحارب»؟
حينما يفرض على جيش مصر القتال وهو «كُره» لكل مصرى، يصبح هذا القتال واجباً لا يمكن التخلى عنه، وتصبح الحرب ضرورة لا يمكن تجنبها، وتصبح كلفة اللاحرب -فى هذه الحالة- أكثر كلفة من الحرب ذاتها.
وليحفظ الله مصر من كل سوء، «وما النصر إلا من عند الله» صدق الله العظيم.