هناك تحركات جدية لصفقة إقليمية دولية. يجرى الاتفاق على تفاصيلها هدفها سوريا وضحيتها المنتظرة هى الرئيس بشار الأسد.
السؤال الأصعب هل ستكون التضحية بشخص الرئيس وحلقته الضيقة أم سيكون إعلان النهاية لما عرف بـ«العلوية السياسية» نسبة إلى حكم الطائفة العلوية الكريمة منذ نصف قرن؟
بقاء الرئيس فى سوريا أو رحيله يحتاج إلى موافقة الضامنين الأساسيين: إيران، روسيا، إسرائيل.
نظام الحكم فى سوريا كان يخص مصالح هذه القوى الثلاث بأشكال متفاوتة:
1- روسيا ترى فى سوريا أنها مركز نفوذها العسكرى الاستراتيجى فى المنطقة، ومنفذها البحرى على المياه الواقعة فى المتوسط. وزادت منافع سوريا بعد مؤشرات وجود الغاز فى شرق البحر المتوسط من اليونان إلى قبرص، ومن إسرائيل إلى مصر، ومن لبنان إلى سوريا. يضاف إلى ذلك فإن سوريا دولة واعدة فى إنتاج النفط وفى اكتشافات معادن طبيعية استراتيجية. ووجدت روسيا أن دورها الاستراتيجى فى سوريا أعطاها أوراقاً رابحاً فى علاقاتها بإسرائيل وتركيا وإيران والعراق والولايات المتحدة بنسب متفاوتة ولأسباب ودواع مختلفة فى كل حالة.
2- بالنسبة لإيران، فإن سوريا هى الحليف الاستراتيجى لمواجهة «السنة السياسية» فى المنطقة، وهى ورقة تأمين نفوذها مع الجارة العراق، ومركز التأثير على لبنان، وورقة ملاعبة إسرائيل والولايات المتحدة.
وترى إيران أن سوريا هى نقطة الدعم الاستراتيجى لحليفها الاستراتيجى حزب الله اللبنانى، فهى جسر شحن السلاح والتدريب والقيادة والسيطرة والعمل الاستخبارى المشترك.
3- بالنسبة لإسرائيل، فإن الموقف الفكرى الاستراتيجى بالنسبة لإسرائيل منذ حكم حزب البعث السورى فى عهد الأسد الأب ثم فى عهد الأسد الابن مبنى على الآتى:
1- ما دام الحكم فى دمشق لا يسعى لشن حرب هجومية على إسرائيل فهو حكم غير معاد لمصالح الدولة العبرية.
2- أن سوريا فى عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد أثبتت قدرتها فى السيطرة الأمنية والإدارة السياسية للفوضى والاضطرابات الدموية أثناء حرب أهلية عمرها 17 عاماً.
3- أن إسرائيل ترحب دائماً بنماذج حكم أى إقليات دينية أو مذهبية أو عرقية، لأن ذلك يخدم مشروعها بعالم عربى منقسم رأسياً وأفقياً على كل المستويات، لأن تل أبيب ضد مشروع الدول الوطنية ذات الجيوش المركزية.
كل هؤلاء وصلوا لأسباب مختلفة، أنه بعد حرب أهلية دموية استمرت 8 سنوات راح ضحيتها ما بين 3 ملايين قتيل وجريح ومعوق وعشرة ملايين لاجئ ونازح وخسائر مادية مباشرة تزيد على 350 مليار دولار، فإن اللاعب (أى الرئيس) لم يعد مناسباً لقواعد اللعبة الجديدة. سوريا الجديدة مطلوب أن تكون تحت إدارة سياسية مقبولة شعبياً، وهو أمر يستحيل بعد كل هذه الدماء التى تورط فيها النظام الحالى. سوريا الجديدة، مطلوب ألا تكون عبئاً على الروسى والإيرانى اللذين يعانيان من ارتفاع كلفة فاتورة الحرب السورية ويواجهان متاعب اقتصادية جمة. سوريا الجديدة، يجب أن تدخل فى منظومة التفاوض الإقليمى المقبل مع إسرائيل، الذى يثبت أنه بلا جدوى فى ظل عهد الرئيس بشار، ولعل محاضر مفاوضات «واى ريفر» التى شارك فيها فاروق الشرع تثبت ذلك.
إيران الآن، التى تعانى بشدة من عقوبات شديدة القسوة والإيلام تريد أن تقايض على الورقة السورية، بعدما تم تحجيمها أمنياً وسياسياً بالوجود الروسى الطاغى والحاسم فى سوريا.
من هنا يصبح أمام إيران إما أن تخرج من سوريا بلا مقابل أو أن تخرج بثمن يضمنه لها الروس عقب حسم الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
سوريا، ليست أى دولة عادية، والموقع الحاكم، والجغرافيا المؤثرة، والتاريخ العظيم، والثروات الكامنة، والطاقة البشرية، وعقود إعادة الأعمار كلها تجعل منها «قيمة استراتيجية» لا بد من الحفاظ عليها، وغنيمة يصعب التفريط فيها بلا مقابل.
مؤشرات صفقة التخلى عن الرئيس الحالى يمكن رصدها من خلال الإشارات التالية:
1- تقرير استراتيجى روسى تم تسريبه عن عمد لوجود خطة روسية للتخلى عن حكم الرئيس بشار وتنشيط مشروع انتخابات ودستور وقواعد حكم جديدة فى البلاد.
2- حوار كاشف ومفاجئ لرئيس الوزراء الإسرائيلى إيهود باراك لصحيفة معاريف يكشف فيه أسرار الانسحاب من لبنان وأسباب فشل المفاوضات مع سوريا، وهو أمر غير معتاد أمنياً بالنسبة للأسرار العسكرية الإسرائيلية.
3- قيام ألمانيا باعتبار حزب الله اللبنانى حزباً ضمن قائمة الإرهاب وإغلاق مقاره وتجميد حساباته فى ألمانيا.
ومن لا يعرف فإن الاستخبارات الألمانية كانت تتمتع بعلاقة جيدة وقنوات مفتوحة مع الحزب عبر القناة السورية - الألمانية.
4- قيام رامى مخلوف ابن خالة الرئيس بشار الأسد بفتح النار علنياً على الحكم فى دمشق بسبب مطالبة النظام له بجزء أو كل أو ربع ضرائب على ثروته البالغة -تقديرياً- حوالى 20 مليار دولار أمريكى!
وهذا الانشقاق هو ضربة موجهة للبيت العلوى الحاكم الذى كان يتقاسم السلطة (جماعة الأسد) مع الثروة (رامى مخلوف) لسنوات طويلة، ولابد هنا من تأكيد أن حسابات رامى مخلوف موجودة فى روسيا ورومانيا.
هذا يحدث ولم تتوقف كل من قطر وتركيا عن تحريض جماعات الإرهاب التكفيرى على شن عمليات إرهاق عسكرى على الجيش النظامى السورى. وهذا يحدث وهناك سياسة أبواب مغلقة أمام حكم الرئيس بشار من دول مجلس التعاون الخليجى وقصرها على قنوات الاستخبارات.
بالطبع لن يستسلم الرئيس بشار وطبقته السياسية وأجهزته الأمنية، لأن السؤال ليس الرحيل أو عدم الرحيل، ولكن ما هو مصير عشرات آلاف كونوا جهازاً للحكم لمدة نصف قرن من الحكم الحديدى؟!