خيّب الله ظن قناة «الجزيرة» ومن يحركها، وثبت بالدليل القاطع براءة «الرياض» من مسألة التجسس على مالك موقع «أمازون» الشهير.
وكانت «الجزيرة» وحليفاتها وكل وسائلها تحاول، خلال الأيام القليلة الماضية، الترويج للادعاء بأن ولىّ العهد السعودى الذى تعرّف على «بيزوس»، مؤسس وكبير مساهمى موقع أمازون الشهير، فى رحلة عمل شهيرة، قد اخترق، من خلال رسالة «واتساب» من هاتفه الشخصى، هاتف «بيزوس».
وجاء الدليل الدامغ بعد ساعات من خلال هيئة التحقيق الأمريكية، وأثبت أن «صديقة» بيزوس السابقة هى المسئولة عن هذا العمل.
هذا الملف بعد اليمن، وموضوع خاشقجى، كان المفروض أن يكون جزءاً من مسلسل تشويه المملكة العربية السعودية، والاغتيال المعنوى لإنجازات ولىّ عهدها الأمير محمد بن سلمان.
وأعجبنى ثبات ولاء وزير الطاقة السعودى الأمير عبدالعزيز بن سلمان حينما حاول «صحفى درجة عاشرة» استفزازه فى موضوع «بيزوس» واتهام المملكة وولى عهدها وسأله: «هل أنا أحمق لطرح هذا السؤال؟»، فأجاب الأمير عبدالعزيز فى هدوء مذهل: «نعم، أنت أحمق»!
ومن لم يشاهد حوار الأمير خالد بن سلمان التليفزيونى الأخير سيكون قد فاته الكثير فى ملف الفهم الصحيح للتوجهات السعودية ومحور الاعتدال فى المنطقة.
استطاع هذا الأمير الشاب الذى يشغل منصب نائب وزير الدفاع السعودى أن يُحدث حالة من «الرد المقنع والردع الإعلامى» لكثير من الادعاءات المسكوت عنها لزمن طويل.
أوضح الأمير خالد الفارق الجوهرى بين النموذجين السعودى والإيرانى فى كيفية التعامل فى المنطقة، فقال إن إيران تصدر الثورة وتمارس أيديولوجيا توسعية بتدخلها المباشر أو عبر وكلائها فى المنطقة، بينما السعودية تسعى إلى التعاون واحترام سيادة الآخرين وتسعى إلى رفاهية وتحديث مجتمعها.
كان أفضل نموذج لهذه المقاربة هو الحالة اللبنانية.
الأمير الشاب (32 عاماً) الذى درس الطيران فى كلية الملك فيصل الجوية، وواصل تعليمه فى الولايات المتحدة ليحصل على شهادة كبار التنفيذيين وحصل من الجامعة الفرنسية على دراسات الحرب الإلكترونية استطاع أن يلم بما يؤهله للرد.
هنا أراد الأمير خالد بن سلمان أن يركز على لهجة جديدة فى التعامل الإعلامى مع العالم، وهى حالة الانتقال من «الخجل والاعتذار» إلى «المصارحة والمواجهة بالأدلة والحقائق والمنطق الذى يتفق مع العقلية الأنجلوساكسونية».
مخاطبة العقل الجمعى الأمريكى الأوروبى تحتاج إلى فهم هذه العقلية وقانون الفعل ورد الفعل الذى يحكم تفكيرها، والعناصر الحاكمة لمصالحها.
ذلك كله فهمه وهضمه بسرعة مذهلة الأمير خالد بن سلمان الذى درس الطيران فى كلية الملك فيصل، ثم التحق بهارفارد وفرنسا وجامعة جورج تاون بواشنطن وساعد على ذلك أنه يأتى من بيت كله خبرات عظيمة.. والده «ملك»، شقيقه «ولى عهد»، إخوته: وزير طاقة، رائد فضاء، أمير المدينة، مستشار ورجل أعمال.
ومن خلال عمله كسفير لخادم الحرمين فى واشنطن فى زمن صعب ومتحول ودقيق فهم الأمير الشاب بعضاً من قواعد التعامل مع الإدارة الأمريكية والمؤسسات المختلفة من الرئيس إلى مجلس الأمن القومى، إلى الخارجية، إلى وكالة الاستخبارات إلى وزارة الدفاع واستخباراتها والشركات الكبرى ذات المصالح المرتبطة بها.
فهم التجربة الأمريكية يوضح، كما يقول الأمير خالد بن سلمان الذى يُعتبر من أعمق من فهم التجربة الأمريكية، أن «واشنطن هى مدينة مفتوحة تماماً للتأثير فيها، ولكن نجاحك أو فشلك يعتمد على الفهم العميق لقواعد اللعبة وكيفية إدارتك لها».
واشنطن لم تكن أبداً، ولن تكون حتى قيام الساعة، عاصمة موالية تماماً لطرف ما فى السياسة الخارجية، سوف تظل حتى قيام الساعة «ساحة نزال وتأثير مفتوحة للأخذ والرد، للشد والجذب، للفعل ورد الفعل، بين أصحاب المصالح المتصارعة».
إدارة اللعبة، ومخاطبة العقل الأمريكى هى «كلمة السر التى تساوى مليون دولار» على حد وصف «والتر ليلاند كرونكايت» عميد مقدمى الأخبار الأمريكيين.
ونحن الآن نعيش فى زمن بدء النجاح فى مخاطبة العقل الأمريكى باللغة والطريقة والأداء الذى يؤثر فيه بشكل صحيح.
العقل الأمريكى يريد المصارحة، المكاشفة، الكلمات المعبرة، الشجاعة، الأدلة، الحجج، الاعتراف بالحقائق، عدم الخجل من الاعتذار أو تصويب الخطأ.