أرجو أن يتنبه كل من يدير السياسة فى عالمنا العربى لحقيقة التركيب السكانى وقياس درجة الوعى والثقافة الوطنية للأجيال المقبلة.
أكثر من 63٪ من سكان العالم العربى تحت 30 سنة، وأكثر من 40٪ تحت سن الـ 16 سنة.
هؤلاء يعاصرون عالماً مختلفاً عن ذلك الذى عايشه الآباء والأمهات والأجداد والجدات.
هؤلاء جيل امتزاج ثورة الاتصالات بالإعلام الحديث بالحدود المفتوحة، فى عالم الخبر اللحظى فى ظل ثقافة الإنسان العالمى الذى يتأثر بثقافة الأقوى الخارجى وليس الأضعف فى الداخل!
هذا الجيل يعيش فى عالم مأزوم اقتصادياً، منفتح إعلامياً، مرتبك فكرياً، متقلب نفسياً، متطرف دينياً، تهاجمه بقوة أفكار شعبوية غائبة مع عودة لفلسفات العنصرية والتميز.
هذا عصر الاحتجاجات الاجتماعية من (أوكرانيا إلى روسيا) ومن هونج كونج إلى باريس، ومن تونس إلى الجزائر، ومن الخرطوم إلى بيروت.
هذا هو جيل العرب الذى فقد الثقة فى الكثير من نخبته السياسية وخرج يطالب بإسقاط أنظمته وفقد الثقة فى قدرة حكوماته على تأمين مستقبل مشرق له.
حينما تعجز «الدولة» عن أن تكون دولة الرعاية من ناحية ودولة العدل والإنصاف من ناحية أخرى تفقد مصداقيتها عند ملايين الشباب.
ومن يتابع بدقة المكون الديموغرافى للمتظاهرين فى عالمنا العربى مؤخراً سوف يلاحظ الارتفاع المطرد لوجود المرحلة السنية من 13 إلى 18 سنة، أى إننا نتحدث عن تلامذة المدارس الإعدادية والثانوية أو من هم مقيدون فى الأعوام الأولى من الجامعة على أقصى تقدير.
والمظاهرات التى اجتاحت بيروت وصيدا وطرابلس خلال الـ 48 ساعة الماضية من طلاب المدارس تحمل رسائل صريحة واضحة تقول:
1- نحن أصحاب المستقبل القريب لذلك نطالب بتأمين مجتمع يضمن سوق عمل مقبول.
2- لا يمكن أن يتغرب أهلنا فى دول الاغتراب (الخليج - أفريقيا) من أجل تأمين مصروفات تعليمنا ويبعدون عنا فى أدق مراحل حياتنا ثم نخرج إلى سوق عمل طارد لا وظيفة فيه.
3- لا نريد بعد أن حُرمنا من أهلنا ونحن تلاميذ أن نهاجر إلى الخارج بعد التخرج طلباً للرزق فنحرم مرة أخرى من أهلنا وهم فى سن التقاعد!
4- التعليم لدينا متخلف ولا علاقة له بالتطور العلمى الحالى ولا بمتطلبات قانون العالم المتقدم.
نحن أمام عالم جديد، بقواعد متسارعة، فوق قدرة العقول التقليدية الجامدة الفاقدة لقوانين المستقبل المذهل الذى تجاوز مدارس التفكير الماضوية التى عفا عنها الزمن!
باختصار.. أصحاب المصالح فى مجتمع ما بعد 7 أو 10 سنوات بدأوا من الأمس فى تحديد شروطهم ورسم صورة عن مستقبلهم من الآن.
لذلك نقول للحكام: أنتم لا تتعاملون مع جيل ما قبل الأمس أو الأمس، ولكن أنتم أيضاً تتعاملون مع الجيل الأصعب والأكثر شجاعة.. إنه جيل الغد!