«غزوة طرابلس» التى يعد لها رجب طيب أردوغان ستكون بمثابة المستنقع الذى «سيغرز» فيه عسكرياً وأمنياً، وأول حفرة فى قبره السياسى!
الحماقة السياسية، وكبر النفس، والتطاوس على دول المنطقة، وحلم صناعة إمبراطورية عثمانية جديدة.. أفقدت الرئيس التركى رجاحة تفكيره السياسى، واستحوذت على قراراته العصبية المرتبكة.
يعيش الرجل فى حالة من الخلل فى الإدراك، بناء على واقع افتراضى صنعه بنفسه لنفسه لا علاقة له بحقائق الأمور ولا واقع الحال.
آخر الضلالات التى يعيشها الرجل ما صدر عن الرئيس التونسى الذى يؤكد أن زيارة أردوغان لم تؤدِّ إلى صناعة تحالف، وقال بالحرف: «نحن لم ولن ندخل فى تحالفات أو محاور فى المنطقة».
جاء ذلك بعدما سرّب أردوغان أن هناك حلفاً من تركيا وقطر وتونس والجزائر للدفاع عما سماه «الشرعية فى ليبيا».
المذهل أن الرجل كلما تحدّث عن نواياه فى إرسال سلاح وقوات إلى طرابلس تبجّح بالآتى:
1 - أن الطلب جاء من السلطة الشرعية، أى «حكومة السرّاج».
2 - وحيث إن فخامته هو المدافع الأول عن الشرعية على ظهر كوكب الأرض فإنه سوف يرسل قواته بعدما يحصل على موافقة البرلمان التركى فى العاشر من يناير المقبل.
المذهل، الذى يعرفه ويتجاهله تماماً الرئيس أردوغان، أن سلطة حكومة السراج من وجهة النظر التشريعية، والقانونية، والقانون الدولى، فاقدة للشرعية!
حكومة السراج منذ أن تأسست خالفت الدستور الليبى، واتفاق الصخيرات، ولم تحصل، حتى كتابة هذه السطور، على أى موافقة (وأكرر أى موافقة) فى أى جلسة للبرلمان الليبى عليها.
المذهل أكثر أن هذه الحكومة تمارس عملها دون أن يقسم رئيسها ووزراؤها اليمين القانونية حسب نص الدستور.
وهذه الحكومة مزعومة الشرعية انتهت صلاحيتها حسب اتفاق الصخيرات يوم 17 ديسمبر من الشهر الحالى!
إذن، أى شرعية يتحدث عنها أردوغان؟!
هذا من ناحية الشرعية، أما من ناحية الأمر الواقع فهذه جماعة مسيطرة فقط على معظم العاصمة وأطراف بعض المدن، ليس لديها جيش وطنى نظامى، ولكن لديها ائتلاف خمس ميليشيات مع مرتزقة روس وبعض القتلة المأجورين من أفريقيا السوداء وكتيبة من المجرمين الليبيين السابقين الهاربين من سجون القذافى.
هذه هى السلطة التى يسعى فخامته للدفاع عنها.
نأتى إلى الواقع الحقيقى، وليس الخيال الافتراضى، الذى سوف تواجهه قوات أردوغان الذين سيدفع بهم إلى التهلكة!
سوف يرسلهم أردوغان وهو لا يعرف حقائق الأمور.
ليبيا دولة مترامية الأطراف، هى الرابعة من ناحية المساحة أفريقياً، ورقم 17 فى المساحة عالمياً، تعداد سكانها قرابة 7 ملايين يتشرذمون شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً.
أما مدينة طرابلس فهى مدينة ساحلية على مرتفع صخرى يبلغ تعداد سكانها مليون نسمة، هناك صعوبة شديدة فى مداخلها البرية لمن يريد دخولها من الأطراف، وبها مطار واحد قابل للعمل هو «معيتيقة».
من الناحية اللوجيستية سوف يحتاج أردوغان 12 كتيبة قتال -على الأقل- للسيطرة على مدينة طرابلس مزودين بعتاد يبدأ من المجنزرات براً وينتهى بزوارق صواريخ وفرقاطات بحراً مع حماية جوية دائمة.
بدخول قوات أردوغان -إذا ما وصلت- لطرابلس، يكون قد دقّ جرس الإنذار الأحمر، وأصبح فعلياً مصدر تهديد للأمن القومى لكل من:
1 - مصر.
2 - قبرص.
3 - اليونان.
4 - إسرائيل.
5 - سوريا.
6 - فرنسا.
7 - إيطاليا.
مبعث التهديد هو أن تلاعب أردوغان فى الحدود البحرية لبلاده وبدء ترسيمها على هواه بحيث تبدأ من طرابلس هو اعتداء على الاتفاقات الدولية التى أُقرّت بين مصر واليونان وقبرص، وبين هذه الدول وإسرائيل، وأخيراً اتفاق تحديد الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل الذى أُقر فى عام 2018.
هذا العبث بحقوق هذه الدول، وهذا التهديد لمصدر الثروات لديها، المتمثل فى خزان الغاز العملاق فى البحر المتوسط، يستحق أن تقاتل من أجله هذه الدول وأن تجيش له جيوش المنطقة وقواتها البحرية.
هكذا أردوغان يدخل هذه المعركة المغامرة وعملته المحلية متدهورة، والعقوبات مفروضة عليه وعلى اقتصاده، وخلافاته مع جيرانه وحلف الأطلنطى والاتحاد الأوروبى لم تتوقف، وقواته منتشرة فى كل من سوريا والعراق والصومال وجيبوتى وقطر، وفى المدن التركية الكردية، وفى المدن الكبرى لحماية المنطقة المركزية، خوفاً من انقلاب عسكرى جديد.
إنها الحماقة السياسية، إنها مغامرة غير محسوبة، إنه الهروب من الداخل إلى أوهام الانتصارات فى الخارج.
تذكّروا كلامى هذا، ونحن نغلق صفحات هذا العام، إنه فى العاشر من يناير 2020 حينما يصوت البرلمان التركى على إرسال قوات إلى ليبيا سيكون بذلك قد كتب شهادة وفاة رجب طيب أردوغان، طال الزمان أو قصر.