اختلف العالم بعد كورونا، ولن يعود -أبداً- كما كان بأى شكل من الأشكال.
الأخطر من تأثير الفيروس، هو التغيير الجوهرى الذى سيحدثه فى حياتنا: سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وفى ما يعرف بـ«اللايف ستايل» الذى تعارفت عليه البشرية.
أنظمة ستذهب، حكام سيتساقطون، أحزاب سوف تختفى، قوى اجتماعية سوف تصعد، أفكار وقيم سوف تندثر مقابل عالم جديد يقوم على «الإنجاز والعلم والنتائج» واندثار مثلث «الأيديولوجية والشعارات والتحزب السياسى».
عدة دراسات وأبحاث خرجت فى الـ90 يوماً الماضية للإجابة عن سؤالين: ماذا حدث؟ وماذا سيحدث بعد ذلك؟
وقد حاولت -قدر جهدى- أن أحصر هذه الأفكار ويمكن إجمالها على النحو التالى:
أولاً: ماذا حدث؟
كشفت أزمة الكورونا عالمياً عن النتائج التالية:
1- فشل النظام الصحى فى أكبر الأنظمة العالمية للديمقراطيات الصناعية، ونجاح النظام الصحى الصينى الناتج عن نظام إدارى مركزى شديد السيطرة.
2- فشل دونالد ترامب كمدير أزمة لأكبر دولة فى العالم.
3- تعامل أكبر حزبين فى الولايات المتحدة وسط الأزمة من منطلق حزبى ضيق تم فيه تغليب معركة الرئاسة على تحديات الخطر القومى الذى يهدد البلاد.
4- هشاشة الثقة فى الأسواق الأمريكية والعالمية وصدارة عنصر التأثير النفسى على عنصر القيمة المضافة فى قرارات البيع والشراء والاستثمار وإنعاش الأسواق.
5- بطء الإدارة المركزية فى التحرك وسط الأزمات كما ظهر فى الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا.
واتضح فى التراشق السياسى بين ترامب الجمهورى، وماريو كومو حاكم ولاية نيويورك الديمقراطى، أن صراع السياسة والبطء البيروقراطى يتم دفع ثمنه غالباً من أرواح المواطنين.
5- ثبت أن أوروبا هى سيدة العالم العجوز وأن شيخوخة الإدارة فيها أمر مخيف ومحزن.
6- تغليب بعض الحكام أمثال ترامب وبوريس جونسون للمصالح الاقتصادية على تأمين صحة المواطنين بصرف النظر عن الفاتورة المالية.
7- ثبت أن قدرة إدارة أنظمة الغرب فى أوروبا والولايات المتحدة للأزمات هى وهم كبير، وأن إدارة هذه الأنظمة قد سقطت فى أول اختبار كونى عقب الحرب العالمية الثانية.
8- ما يسمى بالنموذج الإيرانى الذى يمكن أن يحتذى به فى الحكم هو أكذوبة كبرى، كما يتضح من كارثة إدارة ملف الكورونا فى البلاد والخسائر المخيفة التى تسبب فيها.
9- أن كثيراً من قطاعات الشباب تعاملت باستهتار مع التهديد الوبائى تحت دعوى أن الفيروس لا يهدد صغار السن، وهو أمر يعكس ضعف النفوس، وقلة الشعور بالمسئولية، وقلة الضمير الأخلاقى، وسوء التقدير الإنسانى، مما يلقى علامة استفهام كبرى حول هؤلاء وعلاقتهم بالمستقبل.
10- لعبت وسائل التواصل الاجتماعى دورين متناقضين: الأول إنسانى أخلاقى تعبوى فى تعميق التعاطف الإنسانى ضد الفيروس، والثانى مناقض تماماً يسعى إلى التشكيك والعدمية والسخرية وتحطيم المعنويات بشكل جاهل وأحياناً متعمد تماماً.
11- حتى كتابة هذه السطور فإن ملامح فيروس كورونا هى:
1- خارج السيطرة.
2- سريع الانتشار.
3- ينتشر بالملمس وليس بالرذاذ فقط.
4- 25٪ من المصابين منه يتم شفاؤهم فى فترة من أسبوعين إلى ثلاثة.
5- نسبة الوفيات معظمها لكبار السن وتصل بشكل عام إلى ما بين 4 إلى 7٪ من مجموع المصابين، وفى الحالة الأوروبية فإن 25٪ من السكان فوق الستين أى يقدر عددهم بـ191 مليوناً.
12- أثبتت أجهزة البحث العلمى وصناعة العقاقير الطبية بطء حركتها فى إيجاد حلول سريعة للوباء.
ثانياً: التغييرات الجوهرية لشكل المستقبل:
يقول الباحث الشهير يوفال نوح هاراراى فى بحث مثير للاهتمام نشر ملخصه فى صحيفة الفايننشيال تايمز «إن العالم سوف يتجاوز أزمة الكورونا، ولكن الأمر المؤكد أن العالم سوف يختلف تماماً عما كان قبل الفيروس».
أولى علامات هذا التغيير هو علاقة المواطن بالدولة، وعلاقة الأمن بالخصوصية، والحريات بالمصلحة العامة.
سوف تحدث إعادة نظر كاملة فى كل هذه المبادئ والحقوق التى استقرت خلال المائة عام الماضية.
سوف تطغى المصلحة العامة للمجتمع على كل تفاصيل الحرية الشخصية للمواطن كائناً من كان.
مثلاً: من أجل صحة المجتمع، لن يصبح ملف الإنسان الصحى من خصوصياته بل سيكون مشاعاً ومباحاً تماماً.
مثلاً سيكون ملفك الطبى أحد أهم المستندات التى سوف يتعين عليك تقديمها للحصول على وظيفة أو للحصول على تأشيرة سفر لدولة أخرى.
سوف يتعين عليك فى مرحلة ما تركيب شريحة إلكترونية إلزامية للتتبع والمراقبة يتم الكشف عنها بأجهزة حرارية لمعرفة حقيقة أداء أعضاء جسدك ومدى تهديدها لصحة غيرك.
سوف تتم إعادة النظر فى حجم تمويل وأسلوب تمويل النظام الصحى فى دول العالم.
سوف يعاد النظر فى شكل الأنظمة التقليدية حتى لو كانت عظمى، وسوف تسقط أنظمة لدول صغيرة ضعيفة.
- عالمياً سوف يشهد العالم حالة انكفاء غير مسبوقة على الداخل، وحالة من الانعزالية لخمس سنوات على الأقل.
- سيقل دور الأفراد فى الإدارة الحكومية وسوف يزداد بشكل هائل دور الحكومة الإلكترونية، وتدعيم فكرة العمل والدراسة عن بُعد.
- صعود القوى الآسيوية: الصين، اليابان، الهند، سنغافورة، كوريا الجنوبية على حساب سيادة دور الغرب بزعامة الولايات المتحدة وأوروبا.
خلاصة القول يمكن وصف العالم الجديد بأنه: عالم أقل انفتاحاً، أقل حرية عامة وخصوصية، وأكثر فقراً وارتباكاً وأنانية!