للأسف الشديد نحن ذاهبون فى غضون أيام إلى إعلان حظر التجول وفرضه رسمياً على كثير من الدول العربية، بسبب استهانة الرأى العام باتباع سلوكيات وإرشادات مواجهة أزمة كورونا.
بح صوت وزارات الصحة العربية فى تجنّب أماكن التجمهر والازدحام ودعوة المواطنين إلى التزام بيوتهم والالتزام بقواعد وإرشادات الوقاية من المرض.
أولى درجات أى علاج عند أى إنسان أن يعترف بأنه مريض وبحاجة إلى علاج، وهنا نتذكر قول السيد المسيح عليه السلام: «لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب، بل المرضى».
البعض التزم، والكثير مازال يتعامل إما باستهانة أو استهزاء بالخطر أو اللامبالاة من الإرشادات والتحذيرات، وكأن «الحياة لونها بمبى» و«بشوقك عيش بشوقك» و«ساعة الحظ ماتتعوضش يا جميل»!
يا قوم! يا عالم! يا هووه! العالم يجتاحه فيروس وبائى خارج السيطرة لم يخترع له حتى الآن لقاح، ولم يعرف له بعد دواء، وهناك 166 دولة تعانى منه.
الموضوع ليس مرعباً، لكنه بالتأكيد جاد وخطر، ويستدعى التعامل معه بمسئولية من الحكومات ومن المواطنين.
وحينما تقول لك الحكومة وترجوك: «لو سمحت، لو تكرمت، الزم بيتك بشكل طوعى» ولا تفعل، فيؤدى ذلك لزيادة انتشار الوباء، فإنها بعد أيام سوف تأمرك بحكم سلطة قوانين الطوارئ أن تلزم بيتك غصباً عنك وغصباً عن أكبر كبير فى عائلتكم الموقرة!
هناك قانون فى إدارة الأزمات يقول إذا لم تتم الاستجابة للدعوة الطوعية قامت السلطات بفرضها بقوة القانون وسلطات الدولة.
تعالوا نرى ماذا فعلت قطاعات من الرأى العام العربى فى أزمة كورونا وموقفها من الدعوات والنداءات:
فى الكويت، والأردن، ولبنان، ومصر والخليج، والسودان، والجزائر، تكالب الناس على محلات «السوبر ماركت»، واختفت صناديق المياه والسلع والأطعمة الأساسية، وفى الصيدليات تم شراء كل المتوافر من المعقمات والمناديل الورقية وفيتامين سى و«السبرتو»!
ومن لم تنتقل إليه العدوى بسبب اقتراب التلامس مع الآخرين انتقلت إليه العدوى فى طوابير الزحام المتلاصق المجنون بالسوبر ماركت والصيدليات.
وشهد الرأى العام فى هذه الأماكن شجاراً دموياً على «ورق تواليت»، و«حليب أطفال» و«صندوق معقمات».
المخيف، أنه رغم شكوى نقص السيولة الذى «تدندن» به مجتمعات عربية كثيرة، فإن سلوك الشراء الأخير لا يعكس أنه سلوك من يعانى من نقص سيولة، أو أزمة فى الاقتصاد، بل أثبت سلوك الشراء من ناحية الكميات غير الطبيعية التى تعتبر فوق العادة ومضاعفة للاحتياجات الاعتيادية، والتى ظهرت فى حجم الإنفاق، أن «الكاش» موجود، وأن دعاوى الأزمة الطاحنة غير متوافرة!
أن تشترى ما لا تحتاجه، بل وأكثر من احتياجك، وأنت -كما تقول- مأزوم مالياً هو «جنون بامتياز» وحماقة من الدرجة الأولى!
كل شىء بان، وأكرر كل شىء بان، كل سلعة أساسية ارتفعت بسبب جشع الناس والتجار ومصاصى دماء البشر فى كل أزمة.
ولو افترضنا أننا جميعاً مليونيرات ولدينا «كاش بلا حدود»، فإنه من المؤكد أنه لا يوجد حجم بضائع لا نهائى يستوعب كل حجم الطلب المجنون، الذى تعرضت إليه الأسواق مؤخراً!
حينما تشترى كل المياه التى «على الأرفف» لن توجد زجاجة واحدة لعجوز مسن يمكن أن يتناول منها جرعة ماء مع حبة دواء!
حينما تشترى كل علب الحليب الموجودة، تمنع أماً من توفير كوب حليب لابنها الرضيع!
حينما تستولى على كل المعقمات من الصيدلية، تمنع امرأة ضعيفة المناعة من تعقيم نفسها ضد فيروس الوباء!
وحينما تشترى ورق التواليت بالصناديق، وليس بالقطعة المفردة «لن أكمل العبارة.. تستطيع أن تتخيل...!!»..
قيل لنا فى العالم العربى الزموا بيوتكم، وقللوا الاختلاط والنشاط الاجتماعى والازدحام الجماهيرى. فماذا فعلنا؟!
ذهب بعضنا إلى دور السينما وامتلأت النوادى الرياضية أكثر من المعتاد، وذهبنا إلى أداء فريضة «جهاد الشوبنج» فى المولات العامة، وخرجنا فى تنزهات جماعية، حاملين الأطعمة وأجهزة الاستريو إلى الحدائق العامة والكورنيش والميادين الكبرى.
وقمنا جميعاً إلى محلات الفاست فوود والكباب والكشرى والبيتزا بكميات وأعداد خرافية، كأنها الوجبة الأخيرة قبل نهاية الكون!
وفى دولة عربية -أرفض ذكر اسمها- طعن رجل رجلاً آخر فى سوبر ماركت بسبب مشاجرة حول لفة «ورق تواليت»!
فى الجزائر، امتلأت المساجد فى صلاة الجمعة أكثر من المعتاد، وتكالب الناس على تبادل كسكسى ما بعد الصلاة من نفس الملاعق!
وفى دول الخليج، أصبحت الشيشة الممنوعة فى السوق السوداء، حتى إن سعر «الواحدة» تجاوز المائتى دولار!
وفى بيروت، استخدم الكورنيش بشكل فاق أيام أعياد المسلمين والمسيحيين معاً، وتركز بالوجود فى منطقة المنارة!
فى «غزة»، أكثر مناطق العالم -بالإحصاء- ازدحاماً بالنسبة لعدد السكان على المتر المربع الواحد، رفضت حماس رسمياً قرار السلطة بالإجراءات الصحية!
وفى مصر، هناك استمرار لحفلات شباب المهرجانات وتكدس مخيف فى الأحياء الشعبية والأقاليم!
وفى العالم العربى كله من قطر إلى جدة، ومن الرباط إلى الخرطوم، هناك نقص وطلب حاد على المياه والعصائر والألبان والمعلبات والمعقمات بسبب «السحب المجنون» و«الطلب التخزينى» غير المبرر.
هنا دائماً نفهم ونطبق إجراءات الحكومات بطريقتنا المتمردة!
نحن فهمنا إيقاف العمل فى الدوائر الحكومية والمدارس والحكومات والمطاعم والمقاهى، على أنه إعلان حكومى بعطلة منتصف العام، لذلك قررنا أن نتعامل مع الموضوع بمنطق «أهلاً.. أهلاً بالعيد.. فلنحتفل بإجازة نصف العام قبل موعدها، وبإجازة العيد الأصغر قبل حلوله بـ90 يوماً»!
للأسف معظمنا ليس على مستوى الحدث، وما يفعله يفسد أى إجراءات احترازية لمنع انتشار الوباء، ويدمر كل خطط الدولة فى الخروج بسلام من الأزمة.
سلوكنا سوف يدفع السلطات فى بلادنا -حكماً وبالضرورة- إلى الفرض الإجبارى لحظر التجول واستخدام قوة القانون الذى يعطى أى حاكم فى العالم سلطة الطوارئ لمنع انتشار الفوضى.
كلمة أخيرة: والله العظيم نحن أمام كارثة وباء، ولسنا فى «هوليداى بارتى»، عطلة نص السنة!
وتذكروا دائماً حديث سيد الخلق، عليه أفضل الصلاة والسلام، حينما سُئل حول ماذا يفعل الناس إذا جاء طاعون بأرض.
قال رسول الله: «إذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا منها فراراً منه» (متفق عليه).
لذلك نرجوكم، نتوسل إليكم، فضلاً وليس أمراً، إذا لم تلتزموا من قبيل أوامر الضمير، أو أوامر السلطات، التزموا من قبل اتباع سنة رسول الله، عليه الصلاة والسلام.
وإذا لم يردعكم الضمير أو الحكومة أو سنة الرسول، فأبشروا بحظر التجول المؤلم