فجأة، وبدون مقدمات، دق جرس الهاتف بإصرار، ويحمل على الشاشة رقماً لا أعرفه.
عاد يرن مرة أخرى، فقررت الرد، لعل هناك طارئاً ما، خاصة أن هذه المرحلة التى نعايشها تدعو إلى القلق، ولا تحمل معها سوى طاقة سلبية، وأخبار حزينة أو مقلقة.
كان الصوت لشاب، ودار بيننا الحوار التالى:
الشاب: السلام عليكم يا أستاذ.
العبد لله: وعليكم السلام ورحمة الله، مين حضرتك؟
الشاب: أنا «تامر» طالب بقسم العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية.
العبد لله: أهلاً.. أى خدمة؟
الشاب: أريد بضع دقائق من وقتك لمناقشة قضية تؤرقنى للغاية.
العبد لله: تفضل.. وأرجو أن تكون هناك إجابات مفيدة لتساؤلاتك.
الشاب: يا أستاذنا، أنا أشعر بأننى مخنوق بسبب إجراءات الحظر المفروضة علينا هذه الأيام.
العبد لله: هذه فترة صعبة وضرورية، وسوف تمر بسلام بإذن الله.
الشاب: المسألة أكبر من ذلك، أنا أشعر بأن حقوقى كمواطن قد انتُهكت!
العبد لله: كيف؟
الشاب: من حق الإنسان أن ينتقل داخل وطنه، ومن داخل الوطن إلى الخارج، بحرية وبدون أى قيود.
العبد لله: هذا صحيح، ولكن فى الظروف الاعتيادية.
الشاب: الحقوق حقوق لا تتغير مع تغير الظروف.
العبد لله: الحريات مصونة، ولكن إذا كانت حرية فرد أو جماعة سوف تضر مجموع المجتمع، فإن صالح المجتمع له الأولوية.
الشاب: أنا من حقى أن أخرج وقتما أريد، وأذهب إلى المقهى عندما أريد، وأتنزه بالطريقة التى أحبها، وأعمل «شوبنج» من متاجرى المفضلة. باختصار، لا أحد يقيد حريتى.
العبد لله: يا عزيزى، التقييد يهدف لحمايتك من الضرر ولحماية المجتمع من كونك حاملاً محتملاً للفيروس.
الشاب: وإذا كنت عملت كشفاً وتبين أننى غير مريض؟ وأنا عمرى 20 عاماً أى غير معرض للإصابة بالكورونا.
العبد لله: أولاً هناك أطفال أصيبوا وتوفوا إلى رحمة الله، وأكذوبة أن الفيروس لا يصيب الأطفال والشباب هى وهم. هؤلاء أقل عرضة للإصابة أو الضرر، لكن هذا لا يمنع عنهم الإصابة بالوباء.
الشاب: قلت لك عملت كشفاً أمس الأول وثبت أننى سليم.
العبد لله: الحمد لله أنك بخير. ولكن ما أدراك أنك منذ أن غادرت عيادة الطبيب لم تخالط أى مخلوق مصاب أو تلتقط الفيروس بالملامسة فى السيارة أو المقهى أو المصعد أو حتى عيادة الطبيب؟
الشاب: إذن هل يمكن أن نعيش هكذا فى «فوبيا» احتمال الإصابة ونغلق أبوابنا على أنفسنا وننعزل عن بعضنا البعض.
العبد لله: الانعزال يهدف لتخفيف احتمالات الإصابة، فى وقتٍ معدل الانتشار فيه فى العالم أسرع من قدرة الأطباء على الملاحقة، وفى وقت ما زالت فيه مراكز الأبحاث لم تعتمد المصل أو العلاج لهذا الفيروس.
الشاب: لكننا إذا لم نمت من الفيروس سوف نموت من اكتئاب العزل! إن الملل والزهق سوف يقتلان الناس!
العبد لله: احمد ربك أن الدولة تطلب منك العزل الطوعى، وتعطيك وقتاً للحركة ولا تنتهك خصوصياتك.
الشاب: كيف؟
العبد لله: فى الصين أنت مراقب بالكاميرات من خلال خاصية التعرف على الأشخاص عبر بصمة الوجه، لذلك فإن أى انتقال من ميدان لآخر، من شارع لآخر، من بناية لأخرى من شقة إلى أخرى مصوَّر ومتابَع!
الشاب: بجد؟ فعلاً؟
العبد لله: هكذا سيطرت الصين على معدل انتشار الوباء وكانت أسرع من غيرها لأن من يسيطر يتحكم، ومن يتحكم يستطيع إدارة الأزمة.
باختصار شديد التقييد بهدف للسيطرة، والسيطرة هى أهم شروط منع الانتشار وكسب وقت للعلاج والشفاء. هذا الأمر عابر لمسألة الديمقراطيات والديكتاتوريات.
الشاب: إذن ماذا أفعل الآن؟
العبد لله: اسمع الكلام وخليك بالبيت.
الشاب: إلى متى؟
العبد لله: حتى تقول لك حكومتك وكل حكومات العالم: «خلاص» تمت السيطرة على الوباء.
وانتهى الحوار.. ولا أعرف إن كان قد اقتنع أم لا!