سؤال طُرح من عصور فلاسفة أثينا ومجلس شيوخ روما القديمة، ومستشارى أمراء المؤمنين فى الدولتين الأموية والعباسية، وفى بلاط آل عثمان فى تركيا، وفى زمن الحروب الصليبية فى أوروبا، وفى أفكار الكتّاب فى عصور النهضة، وفى فلسفات التنوير فى زمن الثورة الفرنسية وما بعدها.
إجابات كثيرة ومعقدة ومتعددة تملأ مجلدات ومجلدات، لكن الإجابة البسيطة العميقة تقول:
«تسقط الدولة حينما تعجز عن:
1 - توفير الأمن.
2 - توفير لقمة العيش.
3 - توفير مزيج من الهيبة والأمل».
هذه الشروط غير متوفرة الآن فى أكثر من دولة عربية بدرجات متفاوتة من اليمن إلى تركيا، ومن العراق إلى لبنان.
فى هذه الدول تصبح ربطة الخبز مشكلة، وتوفير الأمن الشخصى للمواطنين أزمة، وبعض الناس يتجرأون على الدولة ولا أمل لديهم أو ثقة فى النظام.
المواطن العربى يبحث عن لقمة عيش آمنة، مجتمع أمان له ولأسرته، أمل يجعل لديه قوة دفع للاطمئنان على مستقبل أولاده من بعده.
كارثة كبرى أن تعيش بألم الماضى ومعاناة اليوم واليأس من الغد فى آن واحد.
كارثة كبرى أن يكون الأمس واليوم والغد وصفة سحرية قاتلة مضادة للسعادة، قاتلة للأحلام، مدمرة لأى بصيص من الأمل!
من بيروت إلى بغداد، ومن صنعاء إلى طرابلس، لا أحد يعرف بالضبط مستقبل سعر العملة الوطنية مقابل الدولار، ولا أحد يعرف أى حكومة سوف تحكمه غداً، ولا يعرف النازح أو اللاجئ منهم متى سيعود إلى بيته، ولا يعرف أى منهم إذا كانت المصارف الوطنية سوف تعيد له ودائعه أم لا، ولا يعرف إذا كان التيار الكهربائى سيكون مؤمَّناً، أو أن دواء والدته سيكون متوفراً، أو طحين المخابز سيكون حاضراً.
تسقط الدولة حينما يصبح كل شىء محتملاً ولا شىء مؤكداً سوى اليأس والكذب!
فى عالمنا العربى نحن أمام خمسة مشروعات لسقوط الدولة: فى العراق ولبنان واليمن وتركيا والصومال.
فى عالمنا العربى نحن أمام دولة لم تُعلَن وهناك مؤامرة ألا تقوم فى فلسطين.
فى عالمنا العربى هناك إشكاليات داخل مؤسسات النظام فى الأردن والسودان وتونس والجزائر.
فى عالمنا العربى البرلمان، سلطة التشريع، هو مصدر الارتباك، كما هو حادث فى الأردن والكويت ولبنان وتونس.
التداول السلمى للسلطة لا يعنى الفوضى أو الارتباك المؤدى إلى تآكل السلطة.
لا بد أن يكون لكل دولة نظام، ولكل نظام سلطة، ولكل سلطة شرعية ومشروعية.
تسقط السلطة، يسقط النظام، فتتداعى الدولة وتترنح وتصبح مشروع دولة فاشلة.
الحاكم، أى حاكم، مثل رب الأسرة، حينما يعجز عن توفير لقمة العيش لأطفاله وتأمينهم من الخوف والبرد والكوارث الطبيعية والمجرمين، يفقد هيبته ويتبخر دوره، فتضيع سلطته الأبوية.
ويرى العلامة ابن خلدون فى كتابة المرجع فى علم الاجتماع «المقدمة» والذى أصدره منذ 7 قرون أن «العصبية القوية مثل الدين أو الولاء أو الفكر المشترك أو القومية هى أساس بناء الدول واستمرارها».
ويؤكد ابن خلدون أن «مهمة الدولة هى حماية المجتمع وأفراده».
ويقسم ابن خلدون أجيال بناء الدولة إلى 3 أجيال:
الأول: يقوم بالبناء والعناية به.
الثانى: يسير على خطى الأول ويقوم بتقليده.
الثالث: هو ما يمكن تسميته بجيل الهدم لما سبق من أجل تشييد بناء جديد.
ونحن الآن فى مرحلة الجيل الثالث، بدأ الهدم وبانتظار الجديد!