ما هو سر كراهية الرئيس التركى رجب طيب أردوغان لكل من الرئيس السيسى، والشيخ محمد بن زايد، والأمير محمد بن سلمان؟
لماذا يبذل كل هذه الجهود لتشويه سمعتهم ومحاربتهم والإساءة لهم مهما كانت التكاليف؟
الإجابة المباشرة الأكثر احتراماً أنه خلاف أيديولوجى فكرى، لكن الحقيقة أعمق والوقائع أكثر فظاعة.
خلاف «أردوغان» مع ثلاثتهم له قصة مختلفة التفاصيل مع كل واحد منهم.
تعالوا نلخص كل واحدة على حدة.
نبدأ اليوم بسر كراهية الرئيس التركى للرئيس عبدالفتاح السيسى.
تبدأ القصة حينما بدأ رجب طيب أردوغان يشكل فى يناير 2008 أول لوبى تركى فعال فى واشنطن بهدف التأثير على إدارة الرئيس الأمريكى الجديد باراك أوباما.
كان الهدف من اللوبى الذى رُصدت له أموال طائلة 4 أمور:
1- التسويق للدور السياسى لشخص رجب طيب أردوغان كشخصية عالمية.
2- تسويق مبدأ أن تركيا هى القوة الإقليمية العظمى المقبولة من كل أطراف منطقة الشرق الأوسط التى يمكن أن تعتمد عليها واشنطن كنقطة ارتكاز أساسية، على أساس أن كلاً من مصر، وإيران وإسرائيل لديها مشاكل مختلفة لا تؤهلها -حينئذ- للعب هذا الدور.
3- أن تركيا، تحت قيادة حزب العدالة والتنمية، تستطيع أن تلعب دورها فى المحيط الأوروبى، وأن «واشنطن» تستطيع أن تدعم القبول الكامل لعضويتها فى الاتحاد الأوروبى.
4- أن تركيا من خلال نموها الاقتصادى واتفاقاتها الأمنية مع «واشنطن» و«تل أبيب» واتفاقاتها التجارية مع روسيا وإيران ووجود قاعدة «أنجرليك» الأمريكية، قادرة على أن تكون «الكنز الاستراتيجى» الذى يمكن لإدارة الرئيس أوباما أن تعتمد عليه.
وجاء اللقاء الأول بين «أردوغان» و«أوباما» ليبدأ الرجل فى تسويق فكرة قديمة جديدة تسيطر عليه وهى: أن محاربة الإرهاب الإسلامى السنى بالقوة -كما فعلت حرب جورج دبليو بوش ضد العراق- أثبتت فشلها السياسى وارتفاع تكاليفها الاقتصادية والعسكرية.
ويأتى «أردوغان» بـ«الحل العبقرى» من وجهة نظره الذى حاول تسويقه بقوة لباراك أوباما: «إذا لم تستطع أن تقهر قوى الإسلام السياسى فإن أفضل حل هو التعاون والتصعيد السياسى لجماعة الإخوان المسلمين».. ليبدأ تسويق فكرة أن «الإخوان» هى نموذج الإسلام السنى المعتدل!
كان «أردوغان» يدرك أن قنوات الحوار الخلفية بين الإدارة الأمريكية والتنظيم الدولى للإخوان تزداد وتيرتها فى «لندن» و«واشنطن» منذ أحداث سبتمبر 2001.
من هنا كانت نظرية «أردوغان» هى: «إن دعم واشنطن لجماعة الإخوان هو الحل البديل والأفضل للأنظمة الرئاسية فى العالم العربى التى ينتمى حكامها للمؤسسة العسكرية، أو للملكيات والإمارات التى ينتمى حكامها للقبائل والعائلات المالكة»، من هنا يصبح الإخوان بديل الجيوش والقبائل.
ولا نفشى سراً إذا أكدنا أن دور «أردوغان» والمخابرات التركية كان مهماً ومؤثراً فى دعم جماعة الإخوان فى مصر وفى الولايات المتحدة منذ أحداث يناير 2011 حتى نهاية حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك.
كان صعود جماعة الإخوان عقب أحداث يناير فى مصر «بمثابة نصر شخصى لأردوغان» ونظريته التى سوّقها لـ«أوباما»، وكان فوز الدكتور مرسى بالمقعد الرئاسى لحكم مصر هو «فرحة لا تعلوها فرحة» لـ«أردوغان».
خلال فترة حكم الإخوان دخلت الاستثمارات والمصالح والاستخبارات التركية إلى مصر بقوة وسرعة غير طبيعية يدعمها تمويل قطرى مشبوه.
وبدأ «أردوغان» يسوق فى «واشنطن» فكرة «الترويكا» الجديدة فى المنطقة، القائمة على الزعامة التركية، والمال القطرى، والدور الشعبوى لتنظيم الإخوان «عربياً ودولياً»، وأن هذا «التحالف» هو القادر على تلبية مصالح الولايات المتحدة فى المنطقة كإسلام سياسى سنى عميل فى مواجهة «داعش والقاعدة والشيعة».
كان «أردوغان» يحلم بعودة الخلافة العثمانية بشكل عصرى، وأن يصبح هو ذلك الخليفة الذى يعيد للمسلمين دورهم ومكانتهم من خلال دويلات تنتظم تحت حكم «الباب العالى» فى «أنقرة»!
كان نجاح نموذج الإخوان المسلمين فى مصر مسألة المسائل، وحجر الزاوية فى خطة وأحلام «أردوغان».
تحطمت كل هذه الأحلام على صخرة ثورة الشعب المصرى العظيمة فى 30 يونيو 2013.
حاول «أردوغان» أن يفعل المستحيل داخل أجهزة البيت الأبيض فى الساعات الأولى من ثورة المصريين كى يصدر «أوباما» بياناً صريحاً ضد ما حدث فى مصر واعتباره انقلاباً، ويتم بعدها اعتبار النظام المصرى نظاماً مارقاً تتخذ ضده إجراءات دولية فى مجلس الأمن الدولى بناء على طلب تركى - قطرى!
لم يحدث ما تمناه «أردوغان»، وكان خروج 33 مليون مصرى ومصرية -فى أكبر مظاهرة مدنية فى العصر الحديث- تحطيماً لمشروعه وإصابة حلمه بالفشل العظيم!
من هنا لم يعد تنظيم الإخوان فى مصر هو المتضرر الوحيد من ثورة يونيو 2013 بل أصبح -أيضاً- لها أعداء ضُربت مصالحهم فى مقتل، منهم تركيا وقطر الراعيان الرسميان للتنظيم الدولى للإخوان.
من هنا أيضاً أصبح الجيش المصرى عدواً، وأصبح الرئيس عبدالفتاح السيسى، بطل هذه الثورة، يمثل كابوساً حقيقياً وسداً منيعاً ضد مشروع «أردوغان» للخلافة.
غداً البقية بإذن الله.