جهاد الخازن
باريس مدينة النور... والنَوَر. لقبها مستَحَق فهي من أجمل مدن العالم، إلا أن كل شارع وكل زاوية أو ساحة لا تخلو من شحاذ أو أكثر، ورأيت واحدة تنام على بطنها وترتجف كأن تياراً كهربائياً يسري فيها، إلا أن يدها ممدودة للمحسنين بثبات.
أترك المتسولين على الطريق، وأقول أنني كنت في القاهرة، ومنها إلى بيروت يوماً، ثم لندن يوماً آخر، قبل أن أذهب إلى باريس للمشاركة في منتدى مؤسسة «ستارز» الخيرية التي يرأسها رجل الأعمال السعودي عمرو عبدالله الدباغ. لعل أجمل ما في مؤسسة «ستارز» أن عملها الخيري ليس وقفاً على بلد أو طائفة، وإنما يشمل العالم كله، فقد تلقت جمعيات خيرية من الشرق الأوسط وأفريقيا، وحتى الشرق الأقصى وأميركا اللاتينية، مساعدات بملايين الدولارات تُنفَق على التعليم والطبابة وأعمال إنسانية ما كان تنفيذها ممكناً من دون دعم مؤسسة «ستارز».
المؤتمر تقرَّر موعده ومكان انعقاده منذ أشهر، وجاء الإرهاب المجنون في باريس، حيث قتل 130 إنساناً بريئاً، وترك 368 جريحاً. وأعلن المنظمون أن المؤتمر سيُعقد في الوقت والمكان المحددَيْن تضامناً مع فرنسا، وهو قرار أيّدتُه بالمشاركة، فأشكر مؤسسة «ستارز» على رباطة جأشها في زمن شعاره «السلامة غنيمة».
كان يوم السبت الماضي حافلاً، فبعد الافتتاح كانت هناك ندوات عن توسيع العمل الخيري وتحقيق أهدافه، وعن الأسواق الناشئة والحلول المقترحة لمشاكلها، ودراسة دور الشركات الكبرى في العمل الخيري.
في المساء، كان هناك عشاء ضمَّ أكثر من 300 مدعو، وأشفقت على أخينا عمرو وقرينته حنان، وهما يقفان أكثر من ساعة لاستقبال الضيوف من مختلف أنحاء العالم.
المؤتمر السنوي عُقِد في السنوات الثلاث الماضية في قصر كنزنغتون، وحضر مؤتمر 2014 الرئيس بيل كلينتون الذي استعدتُ معه ذكريات عملية السلام واتصالاته مع الأخ ياسر عرفات حتى نهاية ولايته في كانون الثاني (يناير) 2001. هذه المرة عُقِد المؤتمر في قصر فرساي، وتُقصِّر الكلمات عن وصف جمال كل قاعة وركن فيه، فهو تحفة فنية، أو متحف تاريخي في مبنى واحد.
والعشاء كان في ردهة عريضة طولها مئات الأمتار واللوحات تملأ جدرانها. كانت هناك التي تنهدت وقالت أنها تتمنى لو كان هذا القصر بيتها. وقلت لها أن تحذر من الحصول على ما تتمنى فصاحبة القصر الأخيرة أعدِمَت على المقصلة. (الثابت تاريخياً الآن أن ماري أنطوانيت لم تقلْ عن الجياع: خليهم ياكلوا بسكويت، فقد نسب الثوار العبارة إليها لتبرير قتلها. كذلك لم يوجد في الباستيل يوم سقوط الملكية مئات السجناء «المظلومين»، كما زُعِم في حينه بل بضعة أفراد فقط).
التاريخ يكتبه المنتصرون، ولعلنا ننتصر يوماً. في غضون ذلك أحيي جهد الذين ينفقون على أعمال الخير من دون أن يطلبوا أي دعاية لأنفسهم، وأعرف من هؤلاء أثرياء كثيرين في الخليج والمملكة العربية السعودية ومصر ولبنان والأردن، إلا أنني لن أسجل أسماء فأكثرهم لا يريد دعاية لنفسه. وأذكر صديقاً أرسل عيادات طبية إلى غزة على حسابه، وهو تبرع بأكثر من عشرة آلاف نظارة طبية، وساعدته الأخت سهى عرفات في تحقيق رغبته في المساعدة فلهما الشكر.
أين يُعقَد المؤتمر المقبل لمؤسسة «ستارز» سنة 2016؟ سأشارك مرة أخرى فلا أرجو سوى أن يكون في لندن أو باريس، ولن أعترض على تنظيمه في روما.