جهاد الخازن
سأطلب من موسوعة غينيس للأرقام القياسية أن تسجل باسمي رقماً، فقد وصلت إلى القاهرة في زيارة قصيرة وهبطت الطائرة من بيروت في الساعة السادسة والنصف مساء، وغادرتُ المطار حوالى الساعة السابعة على صوت مدفع الإفطار. كانت الشوارع خالية والسائق جائعاً فوصلت إلى الفندق في «غاردن سيتي» في ربع ساعة فقط، وأعتقد أنه رقم قياسي، لأن تجربتي في مصر على مدى عقود أن الرحلة تستغرق أكثر من ساعة، وقد تصل إلى ساعتين.
«الحلو ما يكمَلشِ» و «اللي ما لو حظ لا يتعب ولا يشقى» فعندما تركت الفندق بعد 60 ساعة فقط متوجهاً إلى المطار، كان المصريون يحتفلون بثورة الثالث من تموز (يوليو) وميدان التحرير قد أغلق. وأخذني السائق في طريق دائري لولبي سياحي شمل القلعة ووصلت إلى المطار بعد أكثر من ساعتين لأعود إلى واقع زحام السير الفظيع في شوراع القاهرة و «اللي يغيِّر عادتو تقلّ سعادتو».
استدرجت القارئ في السطور السابقة بمقدمة خفيفة قبل أن أعود إلى بعض الجد، فزيارة القاهرة لا تكتمل من دون جلسة مع الصديق عمرو موسى، لأسأله وأسمع رأيه، وهو هذه الأيام في قلب العمل السياسي المصري لقربه من العهد الجديد.
وجدتُ أخانا عَمْراً (في اللغة عمرو تحتفظ بالواو في الرفع والخفض وتسقط في النصب) قلقاً من رفع الدعم على المحروقات، وهو قرار توقع أن يتخذ في أيام قليلة وليس بعد شهر الصوم الكريم، ويخشى انعكاساته على المواطنين وردود الفعل الشعبية عليه.
قال وزير الخارجية الأسبق إن رفع الدعم ضروري، إلا أن رفعه سيعني زيادة أسعار المحروقات والأزمة الاقتصادية مستمرة، وإذا زاد سعر البنزين لسيارات الشحن الكبيرة التي تنقل المواد الغذائية، فسيزيد معها سعر هذه المواد فيما المواطن يشكو من الغلاء ويطالب بخفض أسعار المواد الغذائية.
أخونا عمرو لم يكن متفائلاً أيضاً بقيام تحالفات انتخابية قوية تدخل الانتخابات البرلمانية المقبلة بعد الصيف، وجهوده في هذا المجال مستمرة إلا أنها لم تؤتِ ثمارها بعد. وفي حين يريد المصريون جميعاً دحر الإرهاب وقيام ديموقراطية أساسها العدل وحكم القانون، إلا أنهم يبقون مختلفين على سبل الوصول إلى الديموقراطية المنشودة، ويوماً بعد يوم هناك إرهاب مجرم يقتل مواطنين أبرياء.
أعتبر الدستور الجديد أفضل إنجاز لأخينا عمرو في حياته السياسية الطويلة، وهو دستور لا يستثني أحداً بعكس دستور «الإخوان» سنة 2012 الذي عزل جماعات كثيرة من أبناء الشعب. غير أن «الإخوان المسلمين» يقاطعون، والجماعة فشلت في الحكم وعادت إلى ما تتقن وهو الإرهاب.
مع ذلك لا أزال آمل بأن تراجع قيادات الجماعة الموقف، وتخوض الانتخابات، فطالما أن هناك فقراء ومساكين ومتدينين ستظل للجماعة شعبية تمكنها من لعب دور مؤثر في العمل السياسي.
كنت سمعت من باحثين وزملاء أن نسبة الفقراء، أو الذين هم على حافة الفقر في مصر تقترب من 50 في المئة، وسألت الأخ عمرو عن مدى صحة الرقم فقال إن النسبة عالية فعلاً، ولكن لم يجزم بصحة الرقم، وإنما أبدى تفاؤله بقدرة الحكم الجديد على بناء اقتصاد أفضل.
أقول عن نفسي إن الاقتصاد المصري سيتحسن مع تضافر عنصرين أساسيين: الأول فهم النظام الجديد أبعاد الأزمة وكيفية التعامل معها، والثاني إصرار الدول العربية القادرة، مثل المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة، على دعم مصر بكل وسيلة ممكنة لتنهض من عثارها وتعود إلى موقعها القيادي ضمن المجموعة العربية.
عندما قامت الثورة في مصر سنة 1952، كان عدد المصريين 20 مليوناً، وهم الآن تجاوزوا 90 مليوناً، فلا أنسى يوم قلت للرئيس حسني مبارك رأياً لم يعجبه فقال لي: اسمع، منذ تسلمت الحكم بعد أنور السادات زاد عدد المصريين 30 مليوناً. لمّا الناس دي تعيش وتعمل ابقى احكي في الوطنية بتاعتك.
ثمة عبارة بالإنكليزية عن الضوء في نهاية النفق، أو الإشراق بعد قوس القزح، وأرى أن عدد السكان الكبير في مصر إيجابية تجتذب المستثمرين الأجانب إلى العمالة الرخيصة، لفتح مصانع وبدء استثمارات، وإطلاق مشاريع تعود بالفائدة على المنطقة كلها.
غير أنني بدأت بشيء خفيف لاستدراج القارئ كما ذكرت وأنتهي بشيء أفضل من السياسة مكافأة له على استمراره في القراءة، فمصر قد تكون النيل والهرم لبعض، وقد تكون الدلتا أو الصعيد لبعض آخر. هي لي الأصدقاء والصديقات وأهل البلد جميعاً، وعندهم عبارة ترحيب ظريفة سمعتها باستمرار فهم يستقبلون الزائر بالقول: نوّرت مصر. وعندما سمعت هاتين الكلمتين من صديقة قلت لها: يا محتالة، نوّرت مصر، وأنتم تشكون من انقطاع الكهرباء.