بقلم - جهاد الخازن
المحرقة النازية لليهود في أوروبا حدثت وإنكارها نوع من اللاساميّة، إلا أنني أرى أن رقم الضحايا كان أقل من نصف الرقم المعلن لهم وهو ستة ملايين. في الوقت نفسه أنتصرُ لبولندا الحديثة فالمواطنون فيها أصغر من أن يكونوا شاركوا في قتل اليهود.
القانون الذي يعاقب كل مَنْ يزعم أن بولندا كانت شريكة في المحرقة يقف وراءه باتريك ياكي، وهو شاب في الثانية والثلاثين يعمل نائباً لوزير العدل، ويعارض «أسلمة» أوروبا وقال يوماً إن اللاجئين من أفريقيا والشرق الأوسط سيدخلون بولندا «على جثته».
أقول إن شاء الله، ثم أكمل بقرار الحزب الحاكم، حزب القانون والعدالة الذي جاء إلى الحكم سنة 2015، فهو حزب يميني يريد أن يصحح ما يُكتب عن تاريخ بولندا الحديث.
قانون المحرقة أوقع خلافاً بين بولندا من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة ثانية. أفهم أن تحاول إسرائيل إثبات رواية المحرقة ودور بولندا فيها، فهي تسرق دافع الضرائب الأميركي بتلقي ملايين الدولارات من المساعدات الأميركية كل سنة، مع أحدث سلاح ولا تدفع ثمنه. لكن لا أفهم اعتراض الولايات المتحدة فالقاتل والقتيل ليسا أميركيين، والسبب الوحيد الذي أراه هو أن دونالد ترامب حليف بنيامين نتانياهو الذي يقتل الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال، في كل فرصة تُتاح له.
ياكي ليس بريئاً أو سياسياً صالحاً فهو يؤيد دونالد ترامب وحكم الإعدام وامتلاك السلاح وفرض قيود على الإجهاض. مثل هذه المواقف قد تثير مواطناً أوروبياً بلده ديمقراطي، إلا أنها تلقى تأييد كثيرين في بولندا وياكي أصبح مرشحاً لرئاسة بلدية وارسو، وحزبه سيعلن اسم المرشح في الربيع.
ربما زدنا هنا أن البولنديين منقسمون بين غالبية تريد نسيان الماضي أو «تصحيحه»، وأقلية تريد الاعتراف بما حدث، وهذا يشمل إعادة ممتلكات اليهود البولنديين إلى الأبناء والأحفاد الذين هربوا من المحرقة. بولندا هي اليوم الدولة الوحيدة في وسط أوروبا التي لم تواجه موضوع الأملاك بقانون ينهي الجدل، وغالبية من المواطنين تقول إن بولندا أفقر من أن تتحمل أوزار النازيين وأنصارهم.
جمعت المادة عن القانون ضد اتهام بولندا بدور في المحرقة من كل مصدر ممكن ووقعت على قصة مؤرخ كندي من أصل بولندي اسمه جان غرابوفسكي وصل إلى إسرائيل للمشاركة في مؤتمر عن تاريخ المحرقة، فهو يهودي وأستاذ جامعي خبير في الموضوع، أو يدّعي الخبرة، وكتابه المقبل عن دور الشرطة البولندية الزرقاء (لا أفهم معنى اللون) في الحرب العالمية الثانية، فهو يزعم أن 20 ألف مسلح منها أوقعوا العذاب باليهود.
أنا أقول إن يهود إسرائيل أو تحديداً يمين السياسة الإسرائيلية كما يمثلها بنيامين نتانياهو ومَن سبقه من ممثلي اليمين ومن سيتبعه أوقعوا عشرات ألوف الضحايا من الفلسطينيين، خصوصاً الأطفال، وسرقوا بيوتهم وأرضهم ولا يزالون يسرقون. أقول هذا ثم أسجل أن غالبية من اليهود حول العالم وسطية معتدلة يستطيع الفلسطينيون التعايش معها بسلام.
أقرأ أن «القومية» البولندية تهدد قيم أوروبا وتلاحمها. المقال في «نيويورك تايمز» يشير إلى هنغاريا ويقول إنها بدأت «الديمقراطية غير الليبرالية» في أوروبا ثم يركز على بولندا ويزعم أنها منذ 2014 وحتى 2020 ستتلقى من ميزانية الاتحاد الأوروبي تسعة في المئة أو ما يعادل 85 بليون يورو، أو 105 بلايين دولار.
أقول إن مواطني بولندا يستحقون دعم الاتحاد الأوروبي لأن بلدهم يعمل للحاق بركب أوروبا الغربية. بولندا كانت دولة محتلة ولم تكن حليفة ألمانيا النازية، وإنما كان فيها خونة قضوا ومضوا. المواطنون فيها اليوم لا علاقة لهم بالمحرقة التي أسجل مرة أخرى أنها حدثت.
نقلا عن الحياة اللندنية