بقلم جهاد الخازن
رجب طيب أردوغان لم يقتل الأرمن سنة 1915. هو لم يكن وُلِد، وربما والده لم يكن وُلِد عندما ارتكبت الدولة العثمانية المتداعية أول إبادة جنس في القرن العشرين.
أردوغان يرفض تهمة إبادة الجنس كما لو أنه المتَّهَم بها. إلا أن مؤرخين عالميين يؤكدون أن حوالى 1.5 مليون أرمني قُتِلوا في المجازر التي بدأت في 24/4/1915 عندما طردت السلطات العثمانية بضع مئة مثقف ومفكر أرمني من إسطنبول الى أنقرة حيث قُتِلوا.
المجازر استمرت خلال الحرب العظمى (الحرب العالمية الأولى) وبعدها، وهناك دراسات تاريخية موثقة عن استهداف طوائف مسيحية أيضاً، وعن سرقة واغتصاب وتشريد وفظائع أخرى. الطائفة الأرمنية في سورية ولبنان كبيرة وقديمة قِدم المجازر، وأذكر روايات أرمن مسنين يحكون ذكريات طفولتهم وكيف فرّوا مع أهلهم من القتل.
تصويت البرلمان الألماني (بالإجماع ناقصاً صوتاً واحداً) أن المجازر حدثت، تم والمستشارة انغيلا مركل غائبة عن الجلسة، ربما حتى لا تزيد سوء العلاقات مع تركيا التي سحبت سفيرها في برلين وهي تهدد الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي على اللاجئين.
لا أجد مبرراً سياسياً لثورة أردوغان وفقدانه أعصابه. فبعد التصويت الألماني، تكون 30 دولة قد أعلنت أن الأرمن تعرضوا لإبادة جنس في الحرب العظمى. وكان باراك اوباما وعد في 2008 وهو مرشح للرئاسة بأن يعترف بأن أحداث 1915 كانت إبادة جنس. إلا أنه لم يفعل عندما أصبح رئيساً، فقد تراجع عن وعود كثيرة كان للعرب والمسلمين نصيب وافر منها.
لو كان أردوغان يهدد دولة واحدة تحدثت عن إبادة جنس تعرض لها الأرمن لربما وجد مَنْ يصدقه ويؤيده، إلا أن ألمانيا تَبِعَت دولاً ديموقراطية أخرى في موقفها شملت فرنسا وإيطاليا وهولندا وكندا. أذكر أن تركيا سحبت سفيرها من فرنسا سنة 2011 عندما صوَّت البرلمان الفرنسي، معتبراً إنكار إبادة جنس الأرمن جريمة. هذه المرة أعلنت الحكومة التركية أن قرار البرلمان الألماني «لاغٍ وباطل»، ولكن تركيا لا تستطيع أن تلغي قراراً لبرلمان بلد آخر، وردود فعلها كل مرة تزيد عدد المطالبين بأن تعلن بلادهم اعترافها بما تعرض له الأرمن من مجازر.
أردوغان يقول الآن أن القرار الألماني سيؤثر سلباً في العلاقات بين البلدين، إلا أن تركيا تستفيد من هذه العلاقات أكثر كثيراً من ألمانيا، فلا سيّاح أتراك في ألمانيا ولا عمّال ألمان في تركيا. هذا لا ينفي أن تركيا عضو أساسي في حلف الناتو وتعاونها مع الأعضاء الآخرين هو في أساس أي نجاح ضد عصابات تهريب اللاجئين، وضد كل إرهاب محتمَل في أوروبا من جماعات من نوع «داعش» و «القاعدة»، والأمثلة على ذلك موجودة من فرنسا الى بلجيكا وغيرها.
ثمة حروب كثيرة في الشرق الأوسط ولا نريد أن نرى حرباً جديدة بين تركيا وحلفائها في الناتو تهمل التركيز على الإرهاب الحقيقي الذي يعصف بالمنطقة. الرد على ألمانيا كان الرد الثلاثين من نوعه، وأساسه التهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور، ثم يُنسى الموضوع ويُطوى.
الأتراك اليوم غير متَّهَمين بإبادة جنس ضد الأرمن قبل مئة سنة وسنة. وحكومتهم غير متَّهَمَة أيضاً. هو حادث تاريخي مؤكد والأرمن يريدون إنصافهم، وكل عاقل معهم، فلماذا يعترف العالم بمجازر اليهود على أيدي النازيين ولا يعترف بالمجازر ضد الأرمن؟ هو حادث تاريخي لا علاقة له بأحداث اليوم.