بقلم ـ جهاد الخازن
جيش تركيا وحلفاؤها في سورية يشنون حرباً دينية على الأكراد وغيرهم. النصر في عفرين وُصِف بأنه نصر لآخر جيش مسلم في العالم يخوض جهاداً.
كانت تركيا تدخلت في سورية سنة 2016، إلا أن حربها الأخيرة ضد الأكراد في شمال البلاد، قرب الحدود التركية، أهم، فالعملية العسكرية التي أطلِق عليها اسم «غصن الزيتون» كان هدفها قمع حزب العمال الكردستاني، فلا يمثل مسلحوه خطراً على تركيا مع أخطاره على سورية حيث إدارة رجب طيب أردوغان على قناعة تامة بأن الأكراد يريدون بناء منطقة حكم لهم.
الرئيس أردوغان يجمع الوطنية التركية مع الدين في حربه على الأكراد، وغالبية منهم مسلمون سنّة مثل الأتراك. هذا المزيج يناسب حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي أصبح يجمع بين الدين والوطنية في شعاراته السياسية.
عندما يقول الرئيس أردوغان للأتراك إنه يخوض حرباً مقدسة، أو دينية، تهبط المعارضة كثيراً، لأن المواطن العادي لا يريد أن يبدو معارضاً لمثل هذه الحرب، بل ربما يشعر بتعاطف مع الحكم الذي يدافع عن دينه.
الحرب على عفرين كان في مقدمها جماعات معارضة سورية وأكبر عدد من القتلى سقط بين المدنيين المحليين. القوات التركية خسرت حوالى 50 جندياً وادّعت أنها اعتقلت أو قتلت أكثر من 3.700 مسلح كردي. الجانب الديني للحرب لم يمنع الجماعات المعارضة السورية التي تدعمها تركيا من نهب عفرين بعد احتلالها.
الرئيس أردوغان يحاول أن يقنع شعبه بأن تركيا تواجه خطراً كبيراً على مستقبلها، أهمه محاولة الانقلاب التي اتهم بها أنصار الداعية فتح الله غولن، وحزب العمال الكردستاني النشط من تركيا إلى سورية. رئيس البرلمان التركي إسماعيل كهرمان قال إنه لن يكون هناك تقدم من دون جهاد، وسأل الله أن يرحم «شهداء» القوات التركية.
لا أعتقد أن أردوغان يكذب وهو يستعمل الدين في حروبه ضد أعداء تركيا أو أعدائه. قرأت أنه سُجِن أربعة أشهر وهو رئيس بلدية إسطنبول سنة 1997 بعد أن قال في خطاب «المساجد هي ثكناتنا، قببها خوذنا، منابرها حرابنا والمؤمنون جنودنا». طبعاً الجانب الديني يثير حماسة الجندي، أو يعزز رغبته في القتال والشهادة، وإطلاق اسم «جيش الله» على الجيش التركي يساعد على تركيز القناعات الدينية للمقاتلين.
كنت سأؤيد كل ما سبق ومواقف الرئيس أردوغان الأخرى لولا موقفه من الصحافة فهو يريدها آلة أخرى في يده، وهي لا تريد لذلك سُجن عشرات الصحافيين وحوكِم بعضهم وآخرون في الطريق إلى المحاكم. أسهل تهمة نسمعها هي الولاء للداعية غولن. بعض التهم مبالغ فيه فملكة جمال تركيا جُرِّدَت من تاجها وسجنت لأنها انتقدت الرئيس، وممثلة تركية حكِم عليها بالسجن عشرة شهور لأنها انتقدت أردوغان وهي على المسرح. مثل هذه الأحكام يصدر في بلد يحكمه دكتاتور، أو حزب واحد، وليس في بلد يدّعي الديموقراطية مثل تركيا أردوغان.
المهم الآن أن «النصر» في عفرين يشجع تركيا وأنصارها من المعارضة السورية المسلحة على التوغل في شمال سورية لطرد الأكراد أو سجنهم، وإعلان منطقة تابعة لتركيا. أخطر ما في هذا الوضع أن تركيا قد تطلق حرب عصابات كردية ضدها، ومثل هذه الحرب لا رد استراتيجياً عليها، فهي تنتقل من مكان إلى آخر، كما يريد المسلحون، لا كما تريد تركيا.
ربما كانت المعركة المقبلة في منبج القريبة، فكثيرون من المقاتلين الأكراد انتقلوا إليها، أو إلى جوارها، وتركيا مع الجيش السوري الحر تعتقد أنها تستطيع التوسع في المنطقة رغم معارضة الحكومة السورية وروسيا. لن أتكهن اليوم بشيء، وإنما سأكتب عن مستقبل القتال عندما نصل إليه.
نقلاً عن الحياه اللندنيه
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع